وكذلك لا يجب أن يكون كلُّ تابعيّ أعلمَ من كلِّ مَنْ يأتي بعده، ولا كلُّ من كثر أتباعه أعلمَ من كلِّ من كان أقلَّ منه أتباعًا. وكذلك كلُّ من أبطأ به عملُه لا تسرع به تابعيتُه ولا كثرةُ أتباعه، بل ذلك أضرُّ عليه. وقد وضع الحديثَ في غير موضعه، فإن الشافعي لم يبطئ به علمُه ولا عملُه، وإنما ينبغي أن يُذكر هنا حديث «الصحيحين»(١) وغيرهما وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أفعن معادن العرب تسألوني؟» قالوا: نعم، قال:«فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقُهوا».
ومن ذكر من أهل العلم في مزايا الشافعي أنه عربي قرشي مطَّلبي فلم يحتجَّ بفضيلة النسب من حيث هو نسب، ولكن من حيث ما هو مظنة. فإن ذلك يقتضي فضلَ معرفةٍ بالدين الذي أنزله الله تعالى على النبي العربي بلسان عربي، روعي فيه عقول العرب وأفهامهم وطباعهم، [١/ ٤٠١] ويقتضي فضل محبةٍ للدين وغيرة عليه وحرصٍ على عدم الشذوذ عنه. فإن من اجتمع له الحق والهوى أشدّ لزومًا للحق ممن جاء الحق على خلاف هواه.