للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقربَ إلى جرِّهم إلى الحق. وعلى هذا فهذه الكلمة بل الكلمات أشدُّ من تلك الثلاث، والحديث السابق يأبى ذلك كما مرَّ.

فإن قيل: أفليس الأنبياء معصومين عن الكفر مطلقًا؟

قلت: ليس هذا بكفر في حكم الشرع، فإن إبراهيم عليه السلام قال ذلك قبل أن تُعرَض عليه ــ فضلًا عن أن تقوم عليه ــ حجة بنظر ولا غيره، وهو حريص على معرفة الحق، باذلٌ وسعَه في تحصيلها، صادق العزم على اتباع الحق على كل حال، ليس في نفسه شائبة هوى في غير الحق. فإن كان ذلك في الطفولة كان الأمر أوضح.

فإن قيل: فعلى هذا أيضًا يبقى الإشكال بحاله أو أشدَّ. فإن قوله: "هذا ربي" يكون خبرًا مخالفًا للواقع ظاهرًا وباطنًا، وتلك الثلاث إن كان الخبر فيها مخالفًا الواقع، فظاهرًا فقط.

قلت: تلك الثلاث كانت عمدًا أي أن إبراهيم كان يعلم أن الظاهر غير واقع، وأمَّا قوله: "هذا ربي" فخطأ محض غير مؤاخذ به (١).

والمتبادر من قولهم "لم يكذب فلان" نفيُ أن يكون وقع منه إخبار بخلاف الواقع يُلام عليه. وفي "صحيح مسلم" (٢) في أحاديث البكاء على


(١) هذا هو الجواب عن عدم ذكرها مع الثلاث. ثم ظهر لي جواب آخر، وهو أن قوله: "هذا ربي" لم يكن إخبارًا منه لغيره، بل لعله لم يكن عنده أحد، وإنما قال ذلك على وجه الاعتراف كالمخاطب لنفسه. وجواب ثالث وهو أن القرائن تدل أنه إنما بنى على ظنه، فكأنه قال: "أظن هذا ربي". ومن ظن أمرًا فأخبر بأنه يظنه فهو صادق، وإن أخطأ ظنه كما مرَّ، ويأتي إيضاحه. [المؤلف]
(٢) رقم (٩٣٢/ ٢٧).