للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأما المتعمِّقون، فإنهم هم الذين يجلبون الضرر على أنفسهم، فلا بِدْعَ أن يكِلَهم اللهُ عز وجل إلى أنفسهم، بل ويزيدهم ضلالًا إلى ضلالهم. ونظير ذلك: أن الله تبارك وتعالى إنما هيّأ [٢/ ٢١٣] للناس ابتداءً من الأسلحة ما لا يصيب به الإنسان في مرة واحدة إلا شخصًا واحدًا، وبذلك يحصل التكافؤ بين الناس، ويخفُّ ضرر الفتن. ولا تكاد تصيب من لم يتعرض لها (١) من الصبيان والنساء والعَجَزة والبهائم. ولكن الإنسان أخذ يدقِّق في اصطناع الأسلحة حتى اصطنع القنابل التي تُهلِك الواحدة منها ناحيةً بما فيها، ويفكِّر في اصطناع ما هو أشدُّ من ذلك.

وأما القادحون في البديهيات فاعتلّوا بأمور:

الأول: أن أجلى البديهيات قولنا: الشيء إما أن يكون، وإما أن لا يكون. قالوا: وإنه غير يقيني، وأوردوا للقدح في يقينيَّته عدة شبهات ذكرها وأجاب عنها صاحب "المواقف". فراجعه مع شرحه وحواشيه (٢)، لتعلم ما يتضمنه النظر المتعمَّق فيه من التشكيك في أوضح الأشياء وأجلاها، تشكيكًا يشتمل على شبهات يصعب على الماهر حلُّها، وعلى من دونه فهمُ الحلِّ. ولو أُورِد بعض تلك الشبهات على أمرٍ خفيّ جاء به الشرع لجزم المتعمّقون بأنها براهين قاطعة.

الأمر الثاني: أننا نجزم بالعادِيّات (٣) كجزمنا بالأوليات. فنجزم أن هذا الشيخ لم يتولد دفعةً بلا أب ولا أم، بل تولد منهما ونشأ بالتدريج ... ، وأن


(١) (ط): "لهما" خطأ.
(٢) (١/ ١٥١ وما بعدها).
(٣) من العادة.