للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالقوم خالفوا كثيرًا من العقائد الإسلامية، ويوشك أن يكون حالهم فيما لم يصرِّحوا بمخالفته على نحو ما قال الغزالي، أي أنهم لم يحافظوا على تلك البقية عن إيمان ويقين، ولكن نشأوا على الإسلام، واعتزُّوا بالانتساب إليه، فكرهوا أن يقطعوا التعلُّق به البتة. والعلم عند الله عز وجل.

والتحقيق أن الاستقلال بالنظر محمود، ولكن الشأن في النظر. فالنظرُ بحسب المأخذين السلفيين ــ مع الوقوفِ عند الحدّ الذي حدَّه الشرع، وامتثالِ ما أرشد إليه وعمل به الصحابة وتابعوهم بإحسان من اتقاءِ الشبهات وتجنُّبِ الاختلاف في الدين وتفريقه ــ محمود. فالاستقلال فيه محمود، والنظر المتعمّق فيه مذموم؛ لأنه لا يكاد يُثمِر إلا التشكيكَ في الحقائق، والاختلافَ في الدين وتفريقَه. ويوشك أن يكون الحرص على الاستقلال بالنظر فيه من أمضى أسلحة الشيطان، فإنه قد يحصل للإنسان الإيمان واليقين بالقضايا الفِطرية والواضحة من المأخذ السلفي الأول، وبما ذكر الغزالي من اجتماع قضايا كثيرة ظنية يحصل اليقين بمجموعها، ومِن قَذْفِ الله عز وجل في القلب؛ ثم يعرض له في النظر المتعمَّق فيه شبهة أو أكثر تُخالف ذاك اليقين وذاك الإيمان، فيتعذَّر عليه حلُّها، فيدعوه حبُّ الاستقلال بالنظر إلى اتباعها [٢/ ٢٣٢] وتركِ ذاك اليقين وذاك الإيمان، متّهمًا نفسَه بأنّ ثقتها ببطلان تلك الشبهة إنما هو لهواها في الإسلام. فمثله مثل القاضي يتباعد عن هواه، فيظلم أخاه، كما مرَّ في المقدمة.

بل أقول: إن الاستقلال بالنظر على الحقيقة هو تركُ النظر المتعمَّق فيه رأسًا فيما يتعلق بالإلهيات، أو على الأقل تركُ الاعتداد بما خالف المأخذين السلفيَّين منه، كما يتضح لمن تدبَّر ما تقدَّم وما يأتي.