ويغفلون عن قوانين البيان أو يتغافلون! ولا يعرفون وهَنَ النظر المتعمَّق فيه، أو يعرفون وينكرون! ولا يتدبَّرون النصوص، فيعرفوا دلائلها القواطع، أو يتدبَّرون ويجحدون! {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: ١٣٤].
وبالجملة، فأسلافنا على ثلاث طبقات:
الأولى: من وَضَحَ لنا اعتصامُه بالكتاب والسنة، فهؤلاء الذين نتولاهم.
الثانية: من وضَح لنا تهاونُه بالكتاب والسنة، فعلينا أن نتبرأ منهم.
الثالثة: قوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يعفو عنهم ويعذرهم. وعلينا أن نحمدهم فيما أصابوا فيه، ونبرأ مما أخطأوا فيه. والله المستعان.
فأما ما ذكره العضد من المعارض العقلي، فقد علمت حاله في الكلام مع الرازي. وقوله:«والحق أنها قد تفيد اليقين بقرائن مشاهدة أو متواترة»، ففيه قصور شديد، بل قد تفيد اليقين من أوجه أخرى كما سلف.
ثم نُكِسَ، فقال:«نعم في إفادتها اليقين في العقليات نظر، لأنه مبني على أنه هل يحصل بمجردها الجزم بعدم المعارض العقلي؟ وهل للقرينة مدخل في ذلك؟ وهما مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه».
أقول: لا ريب أنه من المتيسِّر في كثير من الكلام ــ إن لم نَقُل في أكثره ــ أن يحصل القطع بالمعنى الذي حقُّه أن يُفهَم منه. وإنكار هذا مكابرة. ثم إذا حصل القطعُ بهذا في كلام من يمتنع عليه قطعًا الغلطُ، حصل القطع بأنه أراد أن يكون الكلام كذلك، أي حقُّه [٢/ ٣٣٠] أن يُفهَم منه ذاك المعنى. فإذا كان ممتنعًا عليه قطعًا أن يكذب خطأ ولا عمدًا حصل القطعُ بصحة ذاك المعنى،