بالكفر كفر، ولا ريب أن ذاك الخارج إلى البادية قد رضي أن يعتقد الناس ظواهر ما أخبرهم به.
وافرضْ أن أهل البادية كانوا يسألونه عن قضايا اتفقت فيهم في الوصايا وقسمة المواريث [٢/ ٣١٩] يُحتاج في معرفة مقاديرها إلى معرفة دقائق الحساب، فكان يذكر لهم مقاديرَ يعلم أنها مخالفةٌ للواقع ويُضمِر توريةً في نفسه، فيعملون بظاهر فتاواه ويحفظونها ليعملوا بها فيما يتفق بعد ذلك من أمثال تلك القضايا، وترتَّب على ذلك ظلمٌ كثيرٌ للفقراء واليتامى والأرامل، وهو يزعم أنه لم يرتكب محظورًا لإضماره التوريةَ مع احتمال الامتناع العقلي؛ لأن مسائل الحساب من أوضح المعقولات، فهل يُعذَر في ذلك؟
وافرضْ أن رجلًا عاقلًا خاطبك بكلام، فتدبرتَه ملاحظًا القرائن، فعلمتَ أن الكلام ظاهر بيِّن في معنى، وأنه لا قرينةَ تَصرِف عن ذاك المعنى، وأنه لا وجهَ لفرض أن يكون المتكلِّم عجَزَ عن البيان أو جهِل أو أخطأ= أفلا تعلم بذلك بأن المتكلم أراد أن يكون كلامه ظاهرًا بيِّنًا في ذاك المعنى، وعمل بمقتضى هذه الإرادة، فجاء بالكلام على وفقها؟ ثم إن خطر ببالك احتمالُ أن يكون أراد في نفسه معنى آخر على وجه التأويل، وأن يكون ذاك المعنى الظاهر البيِّن الذي أراد أن يكون الكلام مُفْهِمًا له ثم جاء بالكلام على وفق هذه الإرادة، غيرَ واقع= أليس معنى هذا الخاطر إنما هو احتمال أن يكون الكلام كذبًا، وأن يكون المتكلم أراد إفهام الكذب وجاء بالكلام على وفق هذه الإرادة؟
أَوَلا ترى أنه لو صحَّ ما خطر ببالك لكان تأويل المتكلم في نفسه إنما هو على أحد ثلاثة أوجه: