قال السلفي: لا ريب أن شبهة ابن سينا في أمر الحشر أقوى من شبهته في شأن الاعتقاد في ذات الله تعالى وصفاته. فلو ساغ الكذب في شأن الاعتقاد لكان في شأن الحشر أسوَغ، لأن فحشه أخفُّ، والحاجة إلى التشديد في الترغيب والترهيب ظاهرة؛ فإلزامه للمتكلمين في محلِّه. فأما السلفيون فلا سلطان له عليهم، كما لا يخفى.
ومع أن شبهة ابن سينا داحضة لمعارضتها اليقينَ الضروري، ففيها خلل من جهاتٍ تُعلَم مما تقدَّم. ويختص بقضية حشر الأجساد أن العرب كانوا في جاهليتهم يعترفون بحياة الروح بعد موت الجسد، ويقولون: إن روح المقتول تبقى تنوح على قبره حتى يؤخذ بثأره، كما هو معروف في أشعارهم. وقد جاء الكتاب والسنة بأشياء من حال الأرواح تصرِّح بحياتها منفصلةً عن الجسد، ولم ينكر ذلك أحد من المسلمين ولا المشركين. فقد كان من الممكن أن يوسَّع [٢/ ٣٠٦] القولُ في نعيم الأرواح وعذابها بدون تعرُّضٍ لما كان العرب ينكرونه من حشر الأجساد. بل لو كان المقصود إنما هو اجترارهم إلى قبول الشرع العملي لما ذُكِر لهم حشرُ الأجساد، فإنه من أشدِّ ما صدَّهم عن الإسلام. قال الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: ٧ - ٨].