للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». أخرجه مسلم عن ابن عمر (١)، وعليه جمهور أهل السنة. وهؤلاء الصالحون باعتقادهم ذلك الاعتقاد أصبحوا على موافقة المعتزلة أو الخوارج حتمًا، إن كانوا يعدُّون خلاف اعتقادهم هذا بدعة وضلالة؛ لأن الإخلال بعمل من الأعمال ــ وهو ركن الإيمان ــ يكون إخلالًا بالإيمان، فيكون من أخلَّ بعمل خارجًا من الإيمان، إما داخلًا في الكفر كما يقوله الخوارج، وإما غير داخل فيه، بل في منزلة بين منزلتين ــ الكفر والإيمان ــ كما هو مذهب المعتزلة. وهم من أشد الناس تبرؤًا من هذين الفريقين، فإذا تبرَّأوا (٢) أيضًا مما كان عليه أبو حنيفة وأصحابه وباقي أئمة هذا الشأن يبقى كلامهم متهافتًا غير مفهوم. وأما إذا عدُّوا العمل من كمال الإيمان فقط، فلا يبقى وجه للتنابز والتنابذ، لكنَّ تشدُّدَهم هذا التشددَّ يدل على أنهم لا يعدُّون العمل من كمال الإيمان فحسب، بل يعدُّونه ركنًا منه أصليًّا، ونتيجة ذلك كما ترى ... فإرجاء العمل من أن يكون من أركان الإيمان الأصلية هو السنة، وأما الإرجاء الذي يُعَدُّ بدعة، فهو قول من يقول: لا تضرُّ مع الإيمان معصية، وأصحابنا أبرياء من مثل هذا القول ... ولولا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في هذه للزِم إكفارُ جماهير المسلمين غير [٢/ ٣٦٤] المعصومين، لإخلالهم بعمل من الأعمال في وقت من الأوقات، وفي ذلك الطامة الكبرى».

أقول: اختلفت الأمة فيمن كان مؤمنًا ثم ارتكب كبيرة. فقالت الخوارج: يكفر، وقالت المعتزلة: لا يكفر ولكن يزول إيمانه، وإذا مات عن غير توبة دخل النار وخلد فيها مع الكفار. وقالت المرجئة: لا يكفر ولا يزول إيمانه ولا يدخل النار، لا يضرُّ مع الإيمان ذنب، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقال أهل


(١) كذا الأصل، أعني «التأنيب» وهو خطأ، والصواب: «عمر بن الخطاب» فإنه من مسنده عند مسلم (٨) وغيره، وإنما رواه ابن عمر عنه، فتوهم الكوثري أنه من مسند ابن عمر. [ن].
(٢) (ط): «تبرَّموا». والتصويب من «التأنيب».