للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما القادحون في النظر في الإلهيات فقالوا: إن النظر إنما قد يفيد العلم في الهندسيات والحسابيات، دون الإلهيات، فإنها بعيدة عن الأذهان جدًّا، والغاية القصوى فيها الظن والأخذ بالأحرى والأخلق. واحتجوا بوجهين:

الأول: الحقائق الإلهية من ذاته تعالى وصفاته لا تُتَصوَّر، والتصديق بها فرع التصور.

الثاني: أقرب الأشياء إلى الإنسان هُويَّتُه التي يشير إليها بقوله: "أنا" وإنها غير معلومة، لا من حيثُ وجودُها فإنه لا خلاف فيه، بل من حيث تصوُّرُها بكنهها، ومن [٢/ ٢٢٤] حيث التصديقُ بأحوالها من كونها (١) عَرَضًا أو جوهرًا، مجردًا أو جسمانيًّا، منقسمًا أو غير منقسم. وقد كَثُر الخلاف فيها كثرةً لا يمكن معها الجزم بشيء من الأقوال المختلفة. وإذا كان أقربُ الأشياء إلى الإنسان هذا حاله، فما الظنُّ بأبعدها؟

ذُكِر هذا كلُّه في "المواقف" (٢)، ثم ذكر أنه أُجيب عن الوجه الأول بأنه يكفي التصوُّر بعارض يكون هو مناط الحكم. وعن الثاني بقوله: "لا نسلّم أن هوية الإنسان غير معلومة له، وكثرة الخلاف فيها لا تدل إلا على العسر". قال السيد في "شرحه" (٣): "فلم يثبت بما ذكرتم أن هناك نظرًا صحيحًا لا يفيد علمًا، بل ثبت أن تميُّز النظر الصحيح عن غيره [في شأن الهوية] مشكل جدًّا، فيكون ذلك في الإلهيات أشكل، ولا نزاع فيه".


(١) (ط): "لونها" خطأ.
(٢) (ص ٢٦).
(٣) (١/ ٢٣٨).