للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن قضيته عقلية، فقد لا تكون من القضايا المتفق عليها بين العقلاء، وإذا لم تكن منها لم يُؤمَن أن تكون في نفس الأمر وهميةً وتابعتُ صاحبي على الخطأ. وإن كانت من القضايا المتفق عليها بين العقلاء أو بيني وبين صاحبي فقد لا أسلِّم صحة استنتاجه، إذ غايته أن تكون صحته بديهية، فلعلّ بداهته وهمية، بدليل مناقضته لقضيتي، وما ناقض الحقَّ فهو باطل. فالمعيار الذي ذكرتم لا يفيد إلا حيث تكون القضية المعتبر بها من القضايا المتفقِ عليها بين العقلاء، وتكون صحة إنتاجها كذلك، وهذه فائدة ضئيلة لا تتأتى في شيء من القضايا التي اختلفتم فيها.

فإن قيل: فماذا يقول السلفيون؟

قلت: يقولون: القضية المحتاج إلى التثبُّت فيها (١) إما غير ماسَّة بالدين البتةَ، وإما ماسَّة به.

فالأولى لا شأن لهم بها، بل يدَعُونها لعلماء الطبيعة.

وأما الثانية، فإما أن لا تكون من المأخذ السَّلفي الأول، وإما أن تكون منه.

فالأولى لا يعتدُّون بها، إلا أن بعضهم قد يتعرّض لها إذا وافقت المأخذين السلفيَّين.

وأما الثانية، فيحكِّمون فيها الشرع، فإن وجدوه جاء بما يخالفها علموا أنها باطلة، وإن وجدوه أقرَّ الناسَ على اعتقادهم الديني بحسبها علموا أنها حق؛ لأن الشرع لا يُقرّ على مثل هذا إلا وهو حق. فأما إذا زاد الشرع فجاء على وَفْقها، فتلك الغاية.


(١) احتراس من القضايا الواضحة، ومنها ما لا يثبت أصل الشرع إلا به. [المؤلف].