فيقال لهم: تلك القضايا المعدَّدة في الأمر السادس وهي إحدى عشرة، وما يشبهها اعترفتم جميعًا بأنها بديهية، ثم اختلفتم في الأخذ بها. وكلُّ فرقة منكم تزعم أن ما أخذت به من تلك القضايا بديهي عقلي يقيني، وأن ما ردّته منها بديهي وهمي. فإن كان مردُّ ذلك إلى التحكُّم، مَنْ هَوِيَ قضيةً قال: إنها بديهية عقلية تفيد اليقين، ومن خالفت هواه قال: بديهية وهمية= فهذا ليس من العلم في شيء.
وإن كان المردُّ إلى الجزم، فمن أحسَّ بأنه جازم بالقضية قال: عقلية يقينية، ومن أحسّ بأنه مرتاب فيها قال: وهمية= فهذا قريب من سابقه، إذ قد ثبت أن الجزم يخطئ ويغلط؛ وقد تقدَّم أدلةٌ على ذلك، وكفى بالاختلاف في هذه القضايا دليلًا.
وإن كان المردُّ إلى قوة المعارض، فمن لم يقوَ عنده معارض القضية سمَّاها: عقلية، وقطع بها. ومن قَوِي عنده المعارض سمَّاها وهمية، فردَّها= فهذا كسابقيه، إذ غايته الجزم بالقضية أو الجزم بمعارضها، وقد ثبت أن الجزم يخطئ ويغلط.
[٢/ ٢١٩] وإن كان هناك معيار صحيح، فما هو؟ قالوا: المعيار أن تُعرض القضية البديهية المنظور فيها على البديهيات الأخرى، فإن وُجد فيها ما يُنتج نقيضَ هذه القضية علمنا أن هذه وهمية.
قلت: هَبُوا أني تمسّكتُ بقضية بديهية، وقلت: إنها عقلية يقينية، فخالفني مخالف وذكر بديهيةً أخرى زعم أنها عقلية يقينية، وأنها تُنتج نقيضَ قضيتي، فقد لا أُسَلّم أن القضية التي ذكرها عقلية يقينية، بل أحتجّ على أنها وهمية بإنتاجها نقيض قضيتي، وما أنتجَ نقيض الحق فهو باطل. وإن سلّمتُ