للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من وقع فيها قد يترخص في الكذب، فالاعتدادُ بها لا يبرئ الخبر عن اسم الكذب. ألا ترى أنه لو علم الجبَّار بالواقع لكان له أن يقول لإبراهيم: لِمَ كذبتَ؟

[٢/ ٢٥٣] وعلى كل حال، فالأحاديث أطلقت على تلك الكلمات: "كذبات"، فإن كانت كذلك حقيقة، فقد يتعيَّن أنها كانت قبل النبوة كما مرَّ، وإلا فسواء أكانت قبلها أم بعدها فالأحاديث صريحة في أنها ــ بالنظر لما فيها من شبه الكذب ــ هي مما يُعَدُّ وقوعُه من مثل إبراهيم عليه السلام خطيئة. فينبغي أن لا يكون وقع مثلُها ــ فضلًا عما هو أشدُّ منها ــ من محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه مبعوث إلى الناس كافةً من حين بُعث إلى يوم القيامة، فالعناية بشأنه آكدُ، وهذا هو الواقع.

أما قبل النبوة، فقد شهد له أعداؤه بالصدق والأمانة حتى سمَّوه "الأمين"، ولم يستطيعوا مع إسرافهم في عداوته، واضطرارهم إلى صدِّ الناس عن اتِّباعه، أن يذكر أحدهم أنه كذَب، أو وقع منه ما يُشبه الكذب. وقد سأل هرقلُ أبا سفيان أشدَّ المشركين عدواةً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ وأحرصهم على أن يعيبه، كما يُعلَم من سياق القصة في أوائل "صحيح البخاري" (١) وغيره. قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه (يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم) بالكذب قبل أن يقول ما قال (يعني قبل النبوة)؟ قال أبو سفيان: لا. ثم قال هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن لِيذَرَ الكذبَ على الناس، ويكذب على الله.


(١) رقم (٧).