والتأخير. وقد تقرر أن الظاهر حجة، وأن من استعمل الكلمة في غير المعنى الظاهر منها كان عليه أن ينصب قرينةً، وإلا كان الكلام كذبًا. واحتمالُ قرينةٍ لم تُنقَل يردُّه ما تقدَّم من تكفُّل الله عز وجل بالبيان وبحفظ الشريعة، وقضاءِ العادة بأنها لو كانت هناك قرينة لنُقِلت. وكثيرًا ما تقوم الحجة القاطعة على أن الكلام على ظاهره، إما من الكلام نفسه بتركيبه وسياقه، وإما بمعونة نظائره في الكتاب والسنة. وقد أخطأ أفراد من الصحابة في فهم قوله تعالى:{ ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}[البقرة: ١٨٧]، مع أن خطأهم إنما كان لغفلتهم [٢/ ٣٢٨] عن السياق والقرائن، كما أوضحتُه في رسالة «أحكام الكذب»، ومع ذلك كان خطأ أولئك الأفراد سببًا لإنزال الله عز وجل بقية الآية زيادة في البيان والإيضاح، فكيف يُعقَل أن يكون النص في العقائد، ثم تخفى القرينة على جميع الصحابة ثم لا يبيِّن الله لهم، أو يعرفها جماعة منهم ثم لا يبالون بنقلها، ولا يبعثهم الله تعالى على نقلها نقلًا متواترًا يصل إليه علماء الرواية فيشيعونه ويذيعونه؟! ولا ريب أنه كما كان الصحابة مخاطبين بالنصوص فكذلك مَن بعدهم، وكما تترتب المفسدة الشديدة على جهل الأولين بالقرينة فكذلك من بعدهم. غاية الأمر أن القرينة وإن كانت في حق المخاطبين الأولين لا بد أن تقترن بالنص فقد يجوز أن يستغني بعض النقلة باشتهارها فلا ينقلها مع النص. لكن لا يلزم من هذا أن لا تُنقَل، بل لا بد من النقل لما تقدَّم. فإذا طلبها العلماء في مظانِّها فلم يجدوها، وحقُّها أن تُنقَل نقلًا متواترًا تواترًا يناله العلماء= قطعوا بأنها لم تُنقَل كذلك، فقطعوا بعدمها، فقطعوا بأن النص على ظاهره.
وليس الحال فيما يتعلق بالعقائد كالحال فيما يتعلق بالأحكام، فإن