كثير من المتعمقين يسترون تكذيبهم للنصوص بدعوى أن ما يخالفونه منها هو من المتشابه المنهي عن اتباعه. وقد كثر الكلام في المحكم والمتشابه، وسألخِّص ما بان لي راجيًا من الله تعالى التوفيق.
المعنى المتبادر من كلمتي «محكم» و «متشابه» أن المحكم هو المتقَن الذي لا خللَ فيه، والمتشابه هو الذي يشبه بعضه بعضًا. والقرآن كلام رب العالمين، أحكم الحاكمين، العليم القدير؛ فلابد أن يكون كلُّه محكمًا. وينبغي أن يُعلَم أنَّ إحكام الشيء يختلف باختلاف ما أُعِدَّ له، ففي البناء يختلف الإحكام في الحصن ودار السكنى وقصر النزهة. وهكذا يختلف الإحكام في حُجَر الدار الواحدة كالمجلس والمخزن والمطبخ والحمام. ويختلف المُعَدُّ لغرض واحد باختلاف الأحوال، فالمجلس الذي يصلح للشتاء قد لا يصلح للصيف، والذي يصلح للصيف في بلد لا تكون فيه السَّموم قد لا يصلح في بلد تكون فيه. وهكذا الكلام، كما يقوله البيانيون في تفسير البلاغة. فمهما يكن في بعض الآيات مما يزعمه بعضُ الناس خللًا، فهو بالنظر إلى ما أُعِدَّتْ له الآية عين الإحكام.
وهناك صفات تشترك فيها آيات القرآن، كالإحكام والصدق وغير ذلك من الصفات المحمودة. فيصح أن يقال: إن القرآن كلَّه متشابه، كما أنه كلَّه محكم. وقد وصفه الله تعالى [٢/ ٣٣٤] بهذين الوصفين، قال تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[فاتحة سورة هود].
وقال عز وجل: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [فاتحة سورة يس].