للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد قال الغزالي في "المستصفى" (١/ ٤٣): "أما اليقين فشرحه أن النفس إذا أذعنت للتصديق بقضية من القضايا، وسكنت إليها، فلها ثلاثة أحوال:

[٢/ ٢٢٦] أحدها: أن تتيقن وتقطع به. وينضاف إليه قطعٌ ثانٍ، وهو أن تقطع بأن قطعها به صحيح، وتتيقن بأن يقينها فيه لا يمكن أن يكون به سهو ولا غلط ولا التباس. فلا تجوِّز الغلط في يقينها الأول ولا في يقينها الثاني، ويكون صحة يقينها الثاني كصحة يقينها الأول، بل تكون مطمئنة آمنة من الخطأ، بل حيث لو حُكِي لها عن نبيّ من الأنبياء أنه أقام معجزة وادعى ما يناقضها، فلا تتوقف في تكذيب الناقل، بل تقطع بأنه كاذب، أو تقطع بأن القائل ليس بنبيّ وأن ما ظُنّ أنه معجزة فهي مَخْرَقة. فلا يؤثّر هذا في تشكيكها، بل تضحك من قائله وناقله. وإن خَطَر ببالها إمكانُ أن يكون الله قد أطْلَع نبيًّا على سرٍّ به انكشف له نقيضُ اعتقادها، فليس اعتقادها يقينًا. مثاله قولنا: الثلاثة أقل من الستة، وشخص واحد لا يكون في مكانين، والشخص الواحد لا يكون قديمًا حادثًا، موجودًا معدومًا، ساكنا متحرِّكًا، في حالٍ واحدة.

الحال الثانية: أن تصدِّق بها تصديقًا جزمًا، ولا تشعر بنقيضها البتة. ولو أُشعِرتْ بنقيضها تعسَّر إذعانُها للإصغاء إليه. ولكنها لو ثبتت، وأصغَتْ، وحُكي لها نقيضُ معتقدها عمن هو أعلى (١) الناس عندها كنبيّ أو صدِّيق [أو جمعٍ من الفلاسفة وكبار المتكلمين أو المتصوفة] (٢) = أورث ذلك فيها


(١) كذا في (ط). وفي المستصفى: "أعلم".
(٢) ما بين المعكوفين زيادة من المؤلف أو من الشيخ عبد الرزاق حمزة على كلام الغزالي.