المؤمنين [٢/ ٣٦٥] لا يعذَّبون؟ ويحملهم ذلك على التهاون بالعمل، يقول أحدهم: لِمَ أعذِّب نفسي في الدنيا بما لا يزيد في إيماني شيئًا؟ حسبي أن إيماني مساوٍ لإيمان جبريل ومحمد عليهما السلام! ويحملهم ذلك على احتقار الملائكة والأنبياء والصديقين قائلين: أعظمُ ما عندهم الإيمان، وأفجَر الفجار مساوٍ لهم فيه!
وإذا كان أبو حنيفة ــ كما يقول الكوثري ــ يرى أن الإيمان هو الاعتقاد القلبي الجازم، وأنه لا يزيد ولا ينقص، فقد يبلغ هذا بعضَ الناس فيقول: إذا كنت لا أصير مؤمنًا إلا بأن يكون يقيني مساويًا ليقين جبريل ومحمد عليهما السلام، فهذا ما لا يكون. ففيم إذًا أعذِّب نفسي بالأعمال، فأجمَعُ عليها عذاب الدنيا وعذاب الآخرة؟
وبعد، فيكفي مسوِّغًا لإنكار ذاك القول مخالفتُه للنصوص الشرعية. أما النصوص على أن الأعمال من الإيمان وأنه يزيد وينقص بحسبها، فمعروفة، حتى اضطُر الكوثري إلى المواربة، فزعم أن أبا حنيفة إنما كان يدفع أن يكون العمل ركنًا أصليًّا، لا أنه من الإيمان في الجملة، كاليدين والرجلين وغيرها من الأعضاء بالنسبة إلى الجسد، هي منه وينقص بفقدها مع بقاء أصله، وإن كان في بعض عبارات الكوثري ما يخالف هذه الدعوى.
وأما النصوص على أن الإيمان القلبي يزيد وينقص، فمنها الأحاديث الصحيحة في أنه يخرج من النار مَن قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال شعيرة من إيمان، ثم من قالها وفي قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ثم من قالها وفي قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان.
فأما قول الله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا