السنة: لا يكفر، ولا يزول إيمانه البتة بمجرد ارتكابه الكبيرة ولكنه يكون ناقصًا. وقال بعض الأئمة: إلا تركَ الصلاة المكتوبة عمدًا فإنه كفر، وحقَّق بعضُ أتباعهم أن الترك نفسه ليس كفرًا، ولكن الشرع قضى أنه لا يكون إلا من كافر.
يستدل المرجئة والمعتزلة والخوارج بنصوص ظاهرُها أن المؤمنين لا يعذَّبون، ويستدل المعتزلة والخوارج بنصوص ظاهرُها أن مرتكب الكبيرة لا يبقى مؤمنًا، ويستدل الخوارج بنصوص ظاهرُها أن ارتكاب بعض الكبائر كفر. وأهل السنة يجيبون عن الأولَين بأن المراد الإيمان الكامل، وعن الثالث بأنه كفر دون كفر، فهو كفر يقتضي نقص الإيمان، لا زواله. ويدفع المرجئةُ الجواب المذكور بقولهم: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والأعمال ليست من الإيمان.
وهذا القول قد كان أبو حنيفة يقوله، لكن يقول الكوثري: إنه مع ذلك مخالف للمرجئة في أصل قولهم، وهو أنه لا يضر مع الإيمان عمل. ولا غرض في النظر في هذا، وتتبُّع الروايات.
بل أقول: تلك الموافقة التي يعترف بها تكفي لتبرير إنكار الأئمة. أما من لم يعرف منهم أن أبا حنيفة وإن وافق المرجئة في ذاك القول فهو مخالف لهم في أصل قولهم، فعذره في إنكاره واضح. وأما من عرف، فيكفي لإنكار القول أنه مخالف للأدلة كما يأتي، وأنه قد يسمعه من يقتدي بأبي حنيفة، ولا يعلم قوله إن أهل المعاصي يعذَّبون، فيغتَرُّ بذلك. وقد يبلغ بعضهم قولاه معًا فلا يلتفتون إلى الثاني، بل يقولون: رأس الأمر الإيمان، فإذا كان إيمان الفجار مساويًا لإيمان الأنبياء والملائكة ففيم العذاب، وقد دلت النصوص على أن