الرابع عشر: كلمات إبراهيم عليه السلام يظهر من تسميتها خطايا، ومِن خجله واستحيائه من ربِّه في المحشر من أجلها أنه ندِمَ عليها في الدنيا، وعزَمَ أن لا يعود إلى مثلها. وتلك النصوص لم يَرِدْ ما يشير إلى ندَمِ محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أجلها، بل الواردُ خلاف ذلك. فأما الربُّ عز وجل فهو عالم الغيب والشهادة.
الخامس عشر: أن كلمات إبراهيم لم تترتَّب عليها مفسدةٌ ما، بل ترتَّبَ عليها درءُ مفاسد عظيمة، وتحصيلُ مصالح جليلة. فقوله:«هي أختي» ترتَّبَ عليها سلامةُ إبراهيم من بطش الجبار، وسلامةُ الجبار وأعوانه من ذاك الظلم. وقوله:{إِنِّي سَقِيمٌ}[بالصافات: ٨٩] ترتَّبَ عليها تمكُّنُه من تحطيم الأصنام، وما تبع ذلك من إقامة الحجة. والثالثة ترتَّبَ عليها إقامةُ الحجة على عُبَّاد الأصنام حتى اضطُرُّوا إلى الاعتراف، فقال بعضهم لبعض:{إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}[الأنبياء: ٦٤]. وأما النصوص التي يكذِّب المتعمِّقون معانيها التي هي فيها ما بين ظاهرٍ بيِّنٍ، وصريحٍ واضحٍ، ومحققٍ مؤكدٍ؛ فإن كانت كما يزعم المكذِّبون فقد ترتَّب عليها مفاسد لا تحصى:
الأولى: لزوم النقص، كما تقرَّر في الوجوه السابقة، حتى لو لم يخلق الله تعالى الناسَ لما لزم مثلُ ذاك النقص، ولا ما يقاربه، بل لا يلزم نقصٌ البتة فيما أرى.
الثانية: تثبيت الاعتقاد الباطل في أصل الدين، وحملُ الناس عليه.
[٢/ ٣٠٢] الثالثة: حملُ كثير ممن يسمِّيهم ابنُ سينا «الخاصة» ــ وهم المتعمِّقون في النظر العقلي ــ على تكذيب الشرع البتة، لأنهم يرون فيه تلك