وبعضَ فروعه، وأنه ساغ ذلك؛ فقد كان يكفي نصٌّ أو نصَّان أو ثلاثة مما هو ظاهرٌ في غير ما يوافقهم محتملٌ لما يوافقهم، فيحملون ذلك على ما يوافقهم بمقتضى عقولهم وأهوائهم. فإن كان ولابد، فممَّا يحتمل المعنيين على السواء، أو يكون ظاهرًا فيما يوافقهم ظهورًا ضعيفًا، غايته أن يكون نحو كلمات إبراهيم. فما بال الكتاب والسنة مملوءين بتلك النصوص التي يزعم المتعمِّقون أن ظاهرها باطل، ومنها ما هو ظاهر بيِّن، وما هو صريح واضح، وما هو محقق مثبت مؤكد، فهل كانت الضرورة تدعو إلى ذلك كله؟
الثالث عشر: كلمات إبراهيم لم تقتض الحكمةُ أن يتداركها بالبيان في الدنيا، لأنها كانت في قضايا موقتة، ولم تترتب عليها مفسدةٌ ما كما تقدم. وتلك النصوص لو كانت كما (١) يزعم [٢/ ٣٠١] المتعمقون لاقتضت الحكمة اقتضاءً باتًّا أن يُتْبِعها الشرعُ بما يبيِّن الحق، ولم يقع من هذا شيء. فأما الإشارات المذكورة في المقصد الثالث، فقد مرَّ الكلام فيها.
فإن قيل: وكَلَهم الشرعُ إلى العقل.
قلنا: العقل الفطري يوافق تلك النصوص كما تقدم، والنظر المتعمَّق فيه جاء في الشرع التنفيرُ عنه وعن أهله. هذا مع الأمر المؤكَّد بالوقوفِ مع الكتاب والسنة والاعتصام بهما، والحكم بالزيغ والضلال والكفر على من خالفهما، وتأكيدِ أنَّ الحقَّ كلَّه فيهما وأنَّ الدين قد كمل بهما، والأمرِ بالرجوع عند التنازع إليهما، وبيانِ أن الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن الرسول يهدي إلى صراط مستقيم، وغير ذلك.