غيره مما تأباه عقولهم= لم يكن في ذلك ما ينفِّرهم عن قبول الشرع، فأيُّ حاجة دعت إلى أن يخاطَبوا بما يزعم المتعمِّقون أنه باطل؟
بل أقول: لو جاءهم الشرع بالأصل الجامع في الجملة لما يزعمه المتعمِّقون، وهو أن الله [٢/ ٣٠٠] عز وجل ليس داخلَ العالم ولا خارجه، ثم كرَّر الدعوةَ والاستدلالَ كما صنع في إثبات ما كانت عقولهم تأباه من قدرة الله عز وجل على حشر الأجساد، وكما صنع في نفي ما كانت عقولهم تتقبله أو تُوجبه من أن لله عز وجل ولدًا= لكان فيهم من يخضع لذلك، ثم لا يزالون يزدادون. وأنت ترى من لا يحصى من المنتسبين إلى العلم وطلبه قبلوا ذاك الأصل الجامع وبعض فروعه ممن أحسنوا به الظنَّ من المتكلمين، فقلَّدوه في ذلك، وتعصبوا له، وعادَوا من يخالفه، غير مبالين بعقولهم، ولا بنصوص الكتاب والسنة، ولا بمخالفة من هو أجلُّ عندهم ممن قلَّدوه.
وقد جاء أفراد بمقالات تنبذها العقول الفطرية، ويردُّها النظر المتعمَّق فيه، ومع ذلك تبعهم من لا يحصى. والعرب إنما كانوا يستندون في إنكار ذاك الأصل إلى عقولهم الفطرية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندهم أوسطهم نسبًا، وأفضلهم خلقًا، معروفًا بينهم بالصدق والأمانة والعدل وحبِّ الحقِّ والحرصِ عليه، لا يريد رياسةً ولا جاهًا. ثم جاءهم بالمعجزات، فلو جاءهم بذاك الأصل ونحوه، أما كان يجد منهم من يقلِّده ويتَّبعه، كما وَجَد المتعمِّقون والأفراد الآخرون، بل كما وَجَد الرسولُ نفسُه في نفي نسبة الولد إلى الله عز وجل، وفي إثبات حشر الأجساد؟ وسيأتي في الجواب عن المقصد العاشر زيادة على هذا.
وهَبْ أن الحاجة دعت إلى إظهار موافقتهم على ما يخالف ذاك الأصلَ