كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل - ضمن «آثار المعلمي»

المسألة الخامسة عشرة: القضاء بشاهد ويمين في الأموال - الجواب عن رسالة الليث بن سعد إلى مالك في القضاء بشاهد ويمين - ج: 11 - ص: 266

ذلك. فكأن وجود شاهد للمدعي يوهن جانب المدعي، حتى لو لم يكن له شاهد لكان جانبه أقوى، فهل يقول هذا أحد؟!

وأما قول الأستاذ: «والليث بن سعد ردَّ على مالك ردًّا ناهضًا في رسالته إليه». فهذه الرسالة في «إعلام الموقعين» (ج ٣ ص ٨٢) (١) وهي تفيد أن مالكًا كتب إلى الليث يعاتبه في إفتائه بأشياء على خلاف ما عليه جماعة أهل المدينة، فأجابه الليث بهذه الرسالة. فذكر أولًا أنه قد كان في الأقطار الأخرى جماعة من الصحابة، وكان الخلفاء يكتبون إليهم. قال: «ومن ذلك القضاء بشاهدٍ ويمينِ صاحب الحق، وقد عرفت أنه لم يزل يُقضى بالمدينة به ولم يقضِ به أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشام ولا بحمص ولا بمصر ولا بالعراق، ولم يكتب به إليهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. ثم ولي عمر بن عبد العزيز، وكان كما قد علمت في إحياء السنن والجِدِّ في إقامة الدين والإصابة في الرأي والعلم بما قد مضى من أمر الناس. فكتب إليه رُزيق ... إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاحب الحق. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: إنا كنا نقضي بذلك بالمدينة، فوجدنا أهل الشام على غير ذلك، فلا نقضي إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين».

مقصود الليث ــ فيما يظهر ــ أن الأحكام على ضربين: منها ما لا يسع فيه الاختلاف، ومنها ما دون ذلك. وأن الخلفاء كانوا يكتبون إلى مَن

---

(١) (٣/ ٩٤ - ١٠٠) ط، محمد محيي الدين عبد الحميد. وقد نقلها ابن القيم من كتاب «المعرفة والتاريخ» للفسوي (١/ ٦٨٧ - ٦٩٥). ورواها أيضًا ابن معين في «التاريخ» (٤/ ٤٨٧ - ٤٩٧).