فإن قلتَ: فإن الرازي فرَّق بين الأمور العقلية وغيرها.
قلتُ: لم يأت على ذلك بحجة، بل هو فرق باطل. ومع ذلك فإنا إذا فرضنا أن الشمس لم تكن قد غربت في ذاك اليوم، فاحتمال أن تكون قد غربت فيه ممتنعٌ عقلًا. ثم نقول للرازي: أرأيت عالمًا خرج إلى البادية فكان يخبر الناس أخبارًا ظاهرة بينة في عقائد باطلة، ويتأول في نفسه معاني صحيحة، ويقول في نفسه: القرينة على احتمال أني لم أرد الظاهر هي احتمال الامتناع العقلي، وكثَّر من ذلك جدًّا= ألا يقبح منه ذلك، ولا يأثم ولا يكفر إذا كان في أخباره ما هو ظاهر بيّن فيما هو كفر؟
وقال ابن حجر الهيتمي في «الإعلام» بهامش «الزواجر»(ج ٢ ص ٣١): «نقل الإمام ــ يعني إمام الحرمين ــ عن الأصوليين أن من نطق بكلمة الردة وزعم أنه أضمر توريةً كفَرَ ظاهرًا وباطنًا. وأقرَّهم على ذلك». ثم ذكر الهيتمي أن الحكم بالكفر باطنًا فيه نظر.
أقول: قولهم: «كلمة الردة» إنما يُفهم منها عند الإطلاق الكلمةُ الصريحة فيها. وقولهم:«أضمر تورية» ظاهرٌ في أن تلك التورية لا قرينة عليها، وما كان كذلك فالتلفظ به مع معرفة حاله لا يكون إلا عن تهاون شديد (١). ومن المعلوم أن من كان كارهًا لشيء نافرًا عنه فإنه يتباعد عنه ما استطاع، وهذا قد تقرَّب من الردة ما استطاع، وكفى بذلك تهاونًا. ومع هذا فقد قالوا: إن الرضا
(١) ثم رأيت في كتاب «تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي» للبقاعي (ص ٢٣) ذكر مقالة إمام الحرمين، ثم قال: «قال الإمام الغزالي في «البسيط» بعد حكايته أيضًا عن الأصوليين: لحصول التهاون منه». ومنه (ص ٦٦) عن الحافظ العراقي: «لا يُقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول: أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره. ولا نؤوِّل له كلامه، ولا كرامة! ». [المؤلف].