للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تستحضر حكمها، وتريد أن تنظر؛ ألا يكون هواك في موافقة الذي تحبه؟

افرِضْ أنك وعالمًا تحبه وآخرَ تكرهه أفتى كلٌّ منكم في قضية، واطلعت على فتويَيْ صاحبيك فرأيتهما صوابًا، ثم بلغك أن عالمًا آخر اعترض على واحدة من تلك الفتاوى وشدَّد النكير عليها. أتكون حالك واحدة، سواء كانت هي فتواك، أم فتوى صديقك، أم فتوى مكروهك؟

افرِضْ أنك تعلم من رجل منكرًا، وتعذُر نفسَك في عدم الإنكار عليه. ثم بلغك أن عالمًا أنكر عليه وشدَّد النكير. أيكون استحسانك لذلك سواءً فيما إذا كان المنكِر صديقَك أم عدوَّك، والمنكَر عليه صديقَك أم عدوَّك؟

فتِّشْ نفسَك تجدْك مبتلًى بمعصية أو نقصٍ في الدين، وتجدْ من تبغضه مبتلًى بمعصية أو نقصٍ آخر ليس في الشرع بأشدّ مما أنت مبتلًى به. فهل تجد استشناعك ما هو عليه مساويًا لاستشناعك ما أنتَ عليه، وتجد مقتَك نفسَك مساويًا لمقتك إياه؟

وبالجملة، فمسالك الهوى أكثر من أن تُحْصى. وقد جَرّبتُ نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعمًا أنه لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنى، فأقرِّره تقريرًا يُعجبني. ثم يلوح لي ما يخْدِش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرَّم بذلك الخادش، وتُنازعني نفسي إلى تكلُّف الجواب عنه، وغضِّ النظر عن مناقشة ذاك الجواب. وإنما هذا لأني لمَّا قررتُ ذاك المعنى أولًا تقريرًا أعجبني صرتُ أهوَى صحته. هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنتُ قد أذعتُه في الناس، ثم [٢/ ١٩٨] لاح لي الخدش؟ فكيف لو لم يَلُح لي الخدش، ولكنّ رجلًا آخر اعترض عليّ به؟ فكيف لو كان المعترضُ ممن أكرهه؟ !