للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أستارُه، وتندفعَ شبهةُ المغترِّين به والمرعوبين منه:

علماء المعقول يقسّمون العلم إلى ضروري ونظري، ويقولون: إن النظر إنما يحصل به العلم إذا كانت المقدّمة من الضروريات أو لازمة لها لزومًا تُعْلم صحته بالضرورة. ثم قسّموا [٢/ ٢١١] الضروريات إلى أنواع ردَّها بعضهم إلى ثلاثة: الوجدانيات، والحسّيات، والبديهيات. قالوا: والوجدانيات قليلة الفائدة في إقامة الحجة على المخالف، لأنه قد ينكر أن يكون يجد من نفسه ما يزعم المدَّعي أنه يجده. قالوا: فالعمدة في العلم هي الحسيات والبديهيات.

ثم ذكروا أن جماعةً من الفلاسفة ــ منهم على ما حكاه الفخر الرازي إماما الفلسفة أفلاطون وأرسطو ــ قدحوا في الحِسّيات، وأن آخرين قدحوا في البديهيات، وآخرين في الجميع؛ وأن قومًا قدحوا في إفادة النظر للعلم مطلقًا، وآخرين قدحوا في إفادته العلم في الإلهيات.

فأما القادحون في الحِسّيات، فاحتجوا بأن الحواس كثيرًا ما تغلط، وذكروا من ذلك أمثلةً تراها في "المواقف" (١) وغيرها، ومن تدبّر وجد كثيرًا من أمثالها. ثم قالوا: فهذه المواضع تنبَّهنا لغلط الحواسِّ فيها لوجود أدلة نبَّهتْنا على ذلك، فيحتمل في كثير من المواضع التي نرى الحواس فيها مُصيبةً أن تكون غَلَطًا في نفس الأمر، ولكن لم يتفق أن نطلع على دليل ينبِّهنا على ذلك. ومن الأصول المقررة أن عدم وجدان الدليل لا يستلزم عدمَ المدلول.


(١) انظر "شرح المواقف" (١/ ١٢٧ وما بعدها).