للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أما الأول، فلأنه لم يقم برهان عندهم ــ زعموا ــ على براءته تعالى من النقص، ومن قال منهم بالبراءة، إنما يقول به في الصفات لا في الأفعال، فأما النقص في الأفعال فهو القبح العقلي الذي ينكرونه.

وأما الثاني، فلأنه لو تمَّ فإنه يختص بما يسمُّونه الكلام النفسي، والنزاع إنما هو في الكلام اللفظي.

فصار الأشعرية إلى التزام أنه يجوز عقلًا أن يقع الكذب من الله تبارك وتعالى. ثم حاولوا القول بأنه وإن جاز عقلًا فلا يقع، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن كلام الله تعالى كله صدق.

فقالت المعتزلة: إنما ثبتت نبوة النبي بإخبار الله عز وجل بأنه صادق، وذلك بإظهار المعجزة على يده إظهارًا مستلزمًا لذاك الإخبار؛ إذ هو بمنزلة أن يقول تعالى: صدَق في دعواه أنني أرسلته. قالوا: فإن كان العقل يجوِّز وقوعَ الكذب من الله تعالى جاز أن يكون هذا الخبر كذبًا، فلا يكون مدعي النبوة نبيًّا، فتجويزكم عقلًا أن يقع الكذب من الله تعالى [٢/ ٢٤٧] يلزمه أن لا تثبت نبوة محمد، فكيف يكون لكم أن تحتجوا على نفي وقوعه بخبره؟

أجاب الأشعرية بأن دلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة عادية، وذلك أن الله تعالى أجرى العادة بخلق العلم بالصدق عقبها، قالوا (١): "فإن إظهار المعجز على يد الكاذب، وإن كان ممكنًا عقلًا، فمعلوم انتفاؤه عادة".

قال العضد (٢): "وقد ضربوا لهذا مثلًا قالوا: إذا ادعى الرجل بمشهد


(١) انظر "المواقف" (ص ٣٤١).
(٢) المصدر نفسه.