يرجع إلى جهته، فيخبرهم بأمر محتمل، فلا يقوى الباعث لهم على التحرز. فإن التورية تحصل بهذا، وليس من لازمها أن يكون ما يقوله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرًا في غير ما في نفسه.
واختصاصُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون أفراد أمته بوجوب تنزُّهه عن كلِّ ما يقال إنه كذب= حكمٌ معقولُ المعنى، لأن وقوعَ مثل ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفكُّ عن احتمال ترتُّب المفاسد عليه.
منها: أنه لو ترخَّص في بعض المواضع لكان ذلك حاملًا على اتهامه في الجملة، فيجرُّ ذلك إلى ما عدا ذاك الموضع. وهو صلى الله عليه وآله وسلم مبلِّغٌ عن الله، فوجب أن لا يكون منه ما قد يدعو إلى اتهامه، ولو في الجملة.
ومنها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل منذ بعثه الله تعالى محاربًا أو في معنى المحارب. فلو وقع منه شيء مما يقال إنه كذبٌ في الحرب لجرَّ ذلك إلى الارتياب في كثير من أخباره؛ إذ يقال: لعله كايَد بها المشركين، لعله، لعله.
ومنها: أن الناس يقيسون، فيقولون: إنما ساغ ذلك في الحرب للمصلحة، فينبغي أن تكون هي المدار، فيسوغ مثلُ ذلك للمصلحة ولو في غير الحرب، فيرتابون في أكثر أخباره صلى الله عليه وآله وسلم حتى في الدين.
ومنها: أنه فتحُ بابٍ للملحدين ولكلِّ من غلبه هواه. لا يشاء أحدهم أن يدفع نصًّا من النصوص النبوية إلا قال: إنما كان للمصلحة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، وهلم جرًّا. فيصبح الدين ألعوبةً، كما وقع فيه الباطنية.