إذا تقرر هذا، فالمخاطبون الأولون كانوا يعتقدون فيما اختص بإنكاره المتعمِّقون من معاني النصوص وجوبَ بعضه عقلًا، فيحصل لهم باعتراف الرازي القطعُ في ذلك. فإما أن يلزم باعتراف الرازي الكذبُ والتلبيسُ، وإما أن تكون تلك المعاني حقًّا، وهو الحق المطلوب.
فإن قال: إنما عنيتُ بالعقل: العقل الصحيح، والمخاطبون الأولون إن اعتقدوا الوجوب العقلي أو الجواز فيما أقول بامتناعه عقلًا أو احتماله الامتناع عقلًا، فذاك خطأ منهم.
قلت: المانع عندك من القطع إنما هو احتمال الامتناع، فمن انتفى عنده احتمال الامتناع حصل له القطع. والله عز وجل قد ارتضى عقول المخاطبين الأولين وكلَّفهم بحسبها، ولم يرشدهم الشرع إلى التعمق في المعقول فيما يتعلق بالدين، بل كره لهم ذلك. فعلى فرض أنهم أخطأوا لعدم تعمقهم، فذاك خطأ لا تبِعةَ عليهم فيه البتة، بل على فرض بطلان تلك المعاني تكون التبعة على من خاطبهم خطابًا يعلم أنَّ من حقِّه بالنظر إليهم أن يفهموا منه الباطل ويقطعوا به بدون تقصير منهم.
[٢/ ٣٢٤] وهَبْ أن القطع لا يحصل في كل خبر، فالرازي معترف بحصول الظن القوي، وذلك اعتراف بأن تلك النصوص أو أكثرها مِنْ حقِّها أن يفهم المخاطبون الأولون منها تلك المعاني التي ينكرها المتعمقون. فإنَّه من الممتنع عادةً أن يخطئ المخاطبون الأولون ومن كان مثلهم في فهم تلك النصوص كلِّها خلافَ ما حقُّها أن يفهموه منها. وإذا ثبت هذا ثبت أن القول ببطلان تلك المعاني تكذيب لله عز وجل، ولا بدَّ.