للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأَمة سوداء، فقال: يا رسول الله إني أريد أن أعتقها في كفارة، فهل يجوز عتقها؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أين الله؟ » قالت: في السماء، قال: «فمن أنا؟ » قالت: أنت رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أعتِقْها فإنها مؤمنة» (١). وهذا يدل أن الله عز وجل على عرشه فوق السماء».

يعلم من عبارة الأشعري وغيرها أن الأمة كانت مجمعة على إثبات الأينية، غير أن السلف يثبتون الفوقية، والجهمية تقول بالمعية، أي أنه تعالى في كل مكان. وثبت السلفيون على قول السلف على الحقيقة، ووافقهم على ذلك في الجملة فِرَقٌ قد انقرضت. وصار المتعمقون إلى فرقتين: الأولى تدَّعي موافقةَ السلف، والأخرى تُنمَى إلى الجهمية. واتفقت الفرقتان على نفي الأينية، لكن الأولى تُطلق ما يظهر منه الفوقية، وتتأول ذلك بالفوقية المعنوية، والثانية: تطلق أنه تعالى في كل مكان، وتتأول ذلك بالعلم والقدرة، وغرضهما التمويه والتمهيد لتأويل النصوص وأقوال من سبق.

وعلى كل حال، فعبارة الأشعري التي سقناها صريحة واضحة في أنه يثبت الفوقية الذاتية على الحقيقة، والمنتسبون إليه يواربون محتجِّين بأنه ينفي الجسمية.

فيقال لهم: إن كان صرَّح بنفي الجسمية، فيحتمل حالُه أوجهًا:

الأول: أن يكون رجع عن ذلك، وقد تقدَّم أن «الإبانة» آخر مصنفاته.

الثاني: أن يكون إنما ينفي الجسمية المستلزمة للمحذور، على حد قول جماعة: «جسم لا كالأجسام».


(١) سبق تخريجه (ص ٥٣٤).