للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من يقتصر على تجويز ذلك، وردُّوا على من نفى ذلك محتجًّا بأنه لو وُجدت ذات أخرى مجردةٌ لكانت مماثلةً لذات الله عز وجل، بأن المشاركة في التجرد لا تقتضي المماثلة التي تستلزم اشتراكَ الذاتَيْن فيما يجب ويجوز ويمتنع.

[٢/ ٣٥٤] وأنت إذا تدبرت علمتَ ما في هذا القول، كما مرَّ في الباب الثالث (١).

فإن قيل: الإنصافُ أنَّ مَن أثبت المشاركةَ في أمرٍ ما فقد أثبت المثل في مطلق ذاك الأمر، ولزومُ التساوي في الأحكام إنما هو بالنظر لذاك الأمر، فالمُثبِتُ الشريكَ في الوجود يلزمه تساوي الذاتين في أحكام مطلق الوجود. وهكذا يقال في التجرد والجسمية والأينية وغيرها، وليس المحذور هنا إثباتَ مثلٍ في أمرٍ ما، ولا إثباتَ مساوٍ في أحكام أمرٍ ما، وإنما المحذور لزوم حكم باطل.

قلت: فهذا يوضِّح سقوطَ تشبُّثِهم بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤]، ويبيِّن ما قدَّمناه في ذلك في الباب الثالث. ولله الحمد.

ثم أقول: التجرد المزعوم إنما حاصله عند العقول الفطرية: العدمُ، وذلك منافٍ للوجود، فضلًا عن الوجوب. وعلى فرض أنه لا ينافي الوجود، فأيُّ فرق يُعقَل بين ذاتين مجردتين حتى تكون هذه روح بعوضة، وتلك ذات رب العالمين؟ فأما ذاتان مشتركتان في مطلق الأينية، فإن معقولية الفرق بينهما


(١) (ص ٢٧٨) [ص ٤٣٦]. [المؤلف]