للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القوة، يكون جزمُك بمدلوله وانتفاءِ نقيضه أقوى من جزمك بمدلولِ دليلٍ دونه عندك في القوة.

فإن قال: ليس هذا بلازم، فإنَّ الجزم قد يقع عن شبهة باطلة.

قلت: من جزم عن شبهة باطلة، فإنه لا يراها شبهة، بل يراها دليلًا قاطعًا، وكلامنا إنما هو في العالِم الذي يميِّز بين الأدلة.

فإن عاد وقال: تفاوتُ الأدلة مع الجزم بمدلولاتها إنما يكون من جهةِ أن بعضها لا يحتمل أن تعرض شبهةٌ تُشكِّك فيه، وبعضها يحتمل ذلك.

قيل له: تسمية العارض شبهةً، فيه شِبهُ مغالطة؛ فإنه مَن جزم بشيء ثم عرَضَ له ما يجزم بأنه شبهة، فإنه لا يتغير جزمه الأول، وإنما يتغير حيث يجوِّز أن العارض دليل. فعلى هذا، إذا كنت الآن تجوِّز في بعض ما تجزم به أن يعرض ما يشكِّكُك فيه ويزيل جزمك، فمعنى ذلك أنك تجوِّز أن يعرض مشكِّكٌ فيه يحتمل أن يكون دليلًا صحيحًا، وأن يكون شبهة.

ويوضِّح هذا أن بعض المسائل الحسابية والهندسية اليقينية يجوز لجازم بها بعد أن يحيط بها أن يعرض ما يظهر منه خلافُ ما جزم به. ولكنه يجزم الآن بأنه لو عرض ألفُ عارض من تلك العوارض لما تغيَّرَ جزمُه، وكما يجزم بهذا في حق نفسه، فكذلك يجزم في حق غيره بأن من عرف تلك المسألة كما عرفها، لا يتغيَّر جزمُه ما دام عقله. فهذا هو الذي يصح أن تحكم بأنه جازم أن العارض لا يكون إلا شبهة.

فإن قيل: فما قولك أنت؟

قلت: أقول: إن الإيمان يتفاوت، وإن ذلك التجويز المستبعَد إذا كان