يقال: إنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيحُ حديثه من سقيمه تَرَكه البتةَ ليعرف الناسُ ضعفَه مطلقًا، وإذا رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكير. وأما غير ذلك فإنه يروي ما عَرَف صحته وما قاربه أو أشبهه مبيِّنًا الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم.
والمقصود هنا أن رواية البخاري عن الفِرياناني تدلّ أنه كان عنده صدوقًا في الأصل. وقد لقيه البخاري، فهو أعرف به ممن بعده. وقد تأيَّد ذلك بأن الرجل كان مشهورًا في تلك الجهة بالخير والصلاح كما مرَّ. وأن أحمد بن سيار على جلالته لما سئل عنه قال:«لا سبيل إليه»، كأنه يريد أنه لا ينبغي الكلام فيه بمدحٍ لضعفه في الرواية، ولا قدحٍ لصلاحه في نفسه؛ على أن أكثر الذين تكلموا فيه لم يرموه بتعمّد الكذب. فأما أبو نعيم فمتأخر، وقد تتبعنا كلام من تقدمه فلم نجد فيه ما تحْصُل به النسبة إلى الوضع فكيف الشهرة؟
هذا، والحكاية التي ذكرها الخطيب عن أحمد بن عبد الله ليست من طريق البخاري، وإنما هي من طريق الأ بَّار، والأ بَّار ناقل لا ناقد. ولكن الأستاذ لم يقنع بتوهين تلك الحكاية، بل قال:«ومن يعوِّل على الوضاع لا يكون إلا من طراز الأ بَّار المأجور». ولا يبعد أن يكون أراد التعريض بالبخاري، وما أوهن رأيًا يضطرُّ الجَدِل النِّحرير في الدفاع عنه إلى الطعن في مثل البخاري!
[١/ ١٢٥] فأما الأ بَّار، فهو أحمد بن علي بن مسلم حافظ فاضل تأتي