«ما ناظرت أحدًا إلا تمعَّر وجهه» على العموم، فيعمُّ كلَّ مناظر في كل مناظرة. فقوله:«ما خلا محمد بن الحسن» يصح أن يراد أنه لم يكن يتمعّر وجهه في كل مناظرة، فلا ينافي ذلك أنه تغير في مناظرة واحدة مثلًا.
ثم ذكر الأستاذ بقية القصة ثم قال:«لا أدري متى كان أبو حنيفة أو مالك قاضيًا .. ».
أقول: هذا هيِّن، فإنَّ مِن لازم أهلية القضاء أهلية الاجتهاد.
ثم قال:«وتلك العبارة لم ترد في رواية من الروايات أصلًا، بل هذه تغيير من الخطيب حتمًا، وقد زاد في الآخر: «أو كلامًا هذا معناه» ليتمكَّن من التملُّص من تبعة هذا التحريف الشنيع حينما يهتك ستر وجهه بأن قيل له: استقصينا طرق تلك الحكاية من طريق يونس بن عبد الأعلى وغيره استقصاءً لا مزيد عليه، فلم نجد تلك العبارة في شيء منها، فتكون أنت غيَّرتَ وبدَّلتَ! فيجيب الخطيب قائلًا: ما ادعيتُ أن ما سبق ذكره هو نصُّ عبارة الرواية، بل هذا معناه. وكفى أن نقول لمثل هذا المحرِّف المنحرف: أفليس في روايتك: «ما كان [١/ ١٥٠] لصاحبك أن يتكلم ولا كان لصاحبي أن يسكت»؟ ، فكيف تتصور أن يُوجب محمدُ بن الحسن الكلامَ والإفتاءَ على من هو جاهل بكتاب الله وسنة رسوله، ويحرِّم ذلك على العالم بهما، فيكون مع الخبر ما يبطله؛ على أن من اطلع على كتب محمد بن الحسن ... عَلِمَ عِلْمَ اليقين منزلة صاحبه عنده من معرفة الكتاب والسنة».
أقول: قولك: «لم ترد في رواية من الروايات أصلًا» إن أردت الإطلاق، فهذه مجازفة، فإن كثيرًا من كتب الحديث ــ فضلًا عن كتب الحكايات ــ منها ما قد فُقد، ومنها ما ليس في متناول الأيدي. وحسبك أنك ادعيت الاستقصاء الذي لا مزيد عليه، ومع ذلك فاتك في كلامك أثبَتُ الطرق،