وإيضاح ذلك: أن القصة مبنية على المفاضلة، والمفاضلة قد يعبَّر عنها بالجمع كأن يقال:«أيهما أعلم»، وقد يعبر عنها بالتفريق كأن يقال:«أما كان فلان كذا؟ »، ثم يقال في الآخر:«فهل كان فلان كذا؟ » على الوجه الذي يؤدي التفضيل. فرواية ابن عبد الحكم من طرقها الثلاث ــ وكذا رواية الربيع ــ سلكت طريق الجمع «أيهما أعلم». أما يونس فسلك طريق التفريق، فوقع في روايته عند الخطيب وابن عبد البر:«هل تعلم أن صاحبي - أو صاحبنا - عالم ... ؟ »، فلزم من هذا بحسب الظاهر أن يقال في المقابل:«فهل كان صاحبك جاهلًا؟ ». فجرى الأمر على ذلك كما في رواية الخطيب. وكأنَّ يونس أحسّ بالخلل في الظاهر، فقال في رواية الخطيب:«أو كلامًا هذا معناه». فأما في رواية ابن عبد البر، فقد يكون الاقتصار من يونس لشعوره بعدم إتقانه للقصة، فكما أنه لأجل ذلك لما حدَّث الأ بَّار واستوفى القصة قال:«أو كلامًا هذا معناه»، فكذلك لما حدَّث محمد بن الربيع ومحمد بن سفيان اقتصر على أولها، وترك ما يتبين به الخلل.
وقد يكون ــ وهو الظاهر ــ الاقتصار من عبد البر، وذلك لأسباب:
الأول: أن بقية الحكاية ليس من مقصوده في الموضع الذي ذكرها فيه.
الثاني: أن ذكر بقيتها مناف لمقصوده في «الانتقاء» من الإجمال والمجاملة.
الثالث: أنه شعر أن في بقيتها خللًا بحسب الظاهر.
أما قولي بأن الخلل بحسب الظاهر فقط، فلأن القرائن تدل أن المقصود بكلمة «جاهل» الجهل النسبي. وفي «فتح المغيث»