قال الأستاذ:«ملازمة الشافعي لمالك إلى وفاته لم ترد إلا في خبر منكر ... والمعروف أنه صحبه إلى أن أتم سماع «الموطأ» منه في نحو ثمانية أشهر. وأما محمد بن الحسن، فقد لازم مالكًا ما يزيد على ثلاث سنين، فلا يتصور أن يسأل محمدُ بن الحسن الشافعيَّ عن مبلغ علم أبي حنيفة ومالك كما وقع في رواية الشيرازي؛ لأن أبا حنيفة لم يدركه الشافعي حتى يُتحاكم في علمه إليه، وكذلك لم يلازم مالكًا أكثر من محمد بن الحسن. فالمفاضلة بين الإمامين بصيغة صاحبنا وصاحبكم والحالة هذه غير مستساغة».
أقول: الذي وقع في رواية الشيرازي هو الواقع في أثبَتِ الروايات، وهي رواية ابن أبي حاتم التي فاتت الأستاذ، مع زعمه أنه استقصى استقصاءً لا مزيد عليه. وكذلك هي في الوجهين الآخرين عن ابن عبد الحكم (١). والشافعي حجازي، فلعله عاد إلى المدينة بعد قراءته «الموطأ» وخروجه منها، بل لعله تردد مرارًا. وكان الشافعي يدين أوّلًا بقول مالك ويذبُّ عنه، فإن لم يكن تلقَّى جميع ذلك منه، فقد تلقى بعضه منه وبعضه من أصحابه، ومعرفة الشافعي بمبلغ علم أبي حنيفة يكفي فيها نظرة في كتبه وكتب أصحابه. وسؤال محمد للشافعي ليس على وجه التحكيم، بل على وجه السؤال عن رأيه. والشافعي حجازي كمالك كان أولًا يدين بقوله، ثم صار ربما خالفه مع انتسابه إليه، وحينئذٍ وقعت القصة. وإنما كثر خلافه لمالك بعد دخوله مصر، وذلك بعد موت محمد بن الحسن. ومحمدُ بن الحسن عراقيّ كأبي حنيفة، ينتسب إليه، ويتَّبعه في أصوله، ويذبُّ عن قوله غالبًا. فأي غبار على أن يقول محمد للشافعي:«صاحبكم» يريد مالكًا، و «صاحبنا» يريد أبا حنيفة؟