للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهؤلاء أحد عشر إمامًا طعنوا في ابن الصلت، وجرحوه جرحًا مفسَّرًا مشروحًا. ولو تتبعنا لوجدنا معهم غيرَهم كابن عساكر وابن السمعاني وآخرين، ولكن الأستاذ الذي جاء بعدهم بقرون يأبى إلا أن يجعلهم «أسرابًا يركضون وراءه يردِّدون صدى الطاعن أيًّا كانت قيمةُ طعنه، ولهم موقف يوم القيامة رهيب لا يُغبطون عليه» مع أنه قد عَرف حُججَهم، ولم يجد ما يصح [١/ ١٩٩] أن يُعَدَّ مخالفًا لهم، وينسى موقفه يوم القيامة كأنه مرفوع عنه القلم دونهم! ويذكر في ابن درستويه ما هو بالنسبة إلى ما في ابن الصلت كالهباءة بالنسبة إلى الجبل العظيم، ثم يقول: «وتضعف كواهلُ الخطيب وأذنابه عن حَمْلِ أثقال التهم التي رُكِّبت على أكتاف هذا الأخباري الهاذي»؛ ولكن لا تضعف كواهله عما على ابن الصلت، كأنَّ الخطيب وغيره من أئمة الحديث كما قال حسَّان (١):

لو يدِبُّ الحوليُّ من ولد الذَّرْ ... رِ عليها لأندبتها الكلومُ

لكنه هو «ثَهْلانُ ذو الهضَبات ما يتحلحلُ» (٢)!

ولو اكتفى بقوله (ص ١٦٥): «متكلَّم فيه، ولسنا بحاجة إلى رواياته في مناقب أبي حنيفة، وعندنا بطرقِ رجالٍ لم يُتكلَّم فيهم روايات كثيرة بمعنى ما رواه» لاستراح وأراح، لكنه عاد فدل على وثوقه بدعواه. وخير للحنفية أن يغسلوا أيديهم من ابن الصلت، فإن المدافعة عن مثله شهادة من المدافِع عن نفسه بماذا؟


(١) «ديوانه»: (١/ ٤٠) تحقيق وليد عرفات، دار صادر، ١٩٧٤.
(٢) كذا أنشده أبو عبيد وغيره. انظر «تهذيب اللغة»: (٣/ ٤٤١) و «جمهرة ابن دريد»: (١/ ١٨٨)، وقال الفرزدق «ديوانه»: (٢/ ١٥٧):
فادفَع بكفِّك إن أردتَ بناءنا ... ثهلانَ ذا الهضبات هل يتحلحلُ