للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ودعوى بُعده عن الفقه مخلوق آخر! إنما كان الغالب على الحميدي الحديث، وقد صحب ابنَ عيينة، وأخذ من أخلاقه. وقد تقدَّم قول الشافعي في ابن عيينة: «ما رأيت أحدًا من الناس فيه من آلة العلم ما في ابن عيينة، وما رأيت أحدًا أكفَّ عن الفتيا منه». ولعل هذين الأمرين: إيثارَه الرجوع إلى مكة، وعدمَ التبسُّط في الفتوى= من الأسباب التي منعت ترشيحَه لخلافة الشافعي.

وحكايتُه عن الشافعي أن البويطي أحقُّ الجماعة كانت برسالة من الشافعي، وهو حيٌّ بالقرب منهم يمكنهم مراجعته، كما تقدم في القصة نفسها. ومحاولة الأستاذ أن يري القارئ أن الحميدي إنما أخبر بذلك بعد وفاة الشافعي مخلوق آخر من مخلوقاته! وتكذيبُ ابن عبد الحكم له ــ إن صحَّ ــ طيشةُ فتًى غِرٍّ مُحنِق، كما سلف. والشافعي لم يُسِرَّ إليه، وإنما كان عنده وبقية الأصحاب بالجامع، فأرسله إليهم، وهم بحيث تمكنهم مراجعته. وقد جاء عن الربيع قال: «دخلنا على الشافعي عند وفاته أنا والبويطي والمزني وابن عبد الحكم، فنظر إلينا الشافعي فأطال، ثم التفت إلينا فقال: أما أنت يا يعقوب، فستموت في حديدك. وأما أنت يا مزني، فسيكون لك بمصر هنات وهنات، ولتدركنَّ زمانًا تكون أقيسَ أهل زمانك. وأما أنت يا محمد، فسترجع إلى مذهب أبيك. وأما أنت يا ربيع، فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب. قال الربيع: فكان كما قال». ترى القصة بسندها في «توالي التأسيس» (ص ٨٥) (١).


(١) (ص ١٩٩ - ٢٠٠).