الرواية إلى أبي حنيفة، بل وافقه على ذلك كثيرون حتى من المائلين إلى أبي حنيفة. نعم، انفرد بذاك التحديد؛ لأنه اعتنى بذلك وألَّف كتابين: أحدهما كتاب «علل ما استند إليه أبو حنيفة»، والثاني كتاب «علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه». واشتهار أبي حنيفة بالحفظ غير مسلَّم، وحفظ القرآن لا يستلزم حفظ الأحاديث، والفهم لا يستلزم الحفظ، وفهم المعاني والعلل غير فهم وجوه الرواية. وقد اشتهر ابن أبي ليلى بالفقه حتى كان الثوري إذا سُئل قال (١): «فقهاؤنا ابن أبي ليلى، وابن شُبْرُمة»، وكان ابن أبي ليلى رديء الحفظ للروايات كثير الغلط.
وما اشتهر عن أبي حنيفة من اشتراط استمرار الحفظ ــ إن صح ــ فمراده التذكر في الجملة، وإلا لزم ما هو أشد، والتذكر في الجملة لا يدفع احتمال التوهم والخطأ.
وكان على الأستاذ أن ينقل نصوصًا صحيحة صريحة عن الأئمة المعتمد عليهم تردُّ قول ابن حبان، كما جاء في الشافعي قول أبي زرعة الرازي:«ما عند الشافعي حديث غلط فيه»، وقول أبي داود:«ليس للشافعي حديث أخطأ فيه»، أو يتجشم جمع الأحاديث التي يثبت أن أبا حنيفة رواها وبيان ما يثبت من موافقة الثقات له ومخالفتهم.
وأما التنديد بابن حبان، فذكر الأستاذ أمورًا:
[١/ ٤٣٦] منها: أن ابن الصلاح وصفه بأنه غلط الغلطَ الفاحشَ في
(١) (ط): «قيل» خطأ. والأثر في «طبقات ابن سعد»: (٧/ ٢٤٨)، و «الجرح والتعديل»: (١/ ٧٢).