للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نعم إذا ثبت أن الشارع نقَلَ الكلمةَ إلى معنى آخر، صارت حقيقة شرعية في المعنى الذي نُقلت إليه. وهذا منتفٍ هنا، إذ لا يدّعي أحد أن الشارع نقل كلمة "التفرق" إلى معنى غير معناها اللغوي.

وأما كثرة مجيئها في القرآن في الأمور المعنوية، فإنما ذلك لأن تلك الأمور مهمة في نظر الشارع، فكثُر ذكرُها دون افتراق الأبدان. ولها في ذلك أسوة بكلمات كثيرة كالرقبة والكظم والزيغ والحَيْف واللين والغِلَظ وغير ذلك.

ولا اختصاص للشواهد التي ذكرها الأستاذ بالقول، بل كلها في تفرق معنوي قد يقع بالقول، وقد يقع بغيره. فالتفرقُ عن الاعتصام بحبل الله يحصل بأن يكفر بعض، ويبتدع [بعض] (١)، ويجاهر بالعصيان بعض، وكل من الكفر والابتداع والعصيان قد يقع بالاعتقاد، وبالفعل، وبالقول. وتفرُّق أهل الكتاب بعد مجيء الرسول هو بإيمان بعضهم، واشتدادِ كفر بعضهم، ولا اختصاص لذلك بالقول. وتفرُّقُ الزوجين قد يكون بالفعل كإرضاعها ضرَّةً لها صغيرة، وبالقول من جانب، وبالقول من الجانبين، وبنيَّة الزوج القاطعة على قول مالك. وافتراقُ اليهود باختلاف اعتقاداتهم وما يبنى عليها من الأفعال والأقوال.

ومع هذا، فالتفرق في هذه الأمثلة إنما هو عن اجتماع سابق، وتعاقدُ المتساومين أجدرُ بأن يسمَّى اجتماعًا بعد تفرق، كما لا يخفى. لكنني أُرفِد الأستاذ، فأقول: إن المتساومين يجتمعان بأبدانهما، وتحملهما الرغبة في


(١) زيادة ليكون التقسيم ثلاثيًا.