اختلف العلماء في ترتيب القرآن، وتعددت آراؤهم وتباعدت، وذلك بسبب ما ورد من روايات مأثورة، احتج بها كل فريق على ما ذهب إليه في ترتيب القرآن من حيث هو توقيفي أو اجتهادي.
والأرجح أن الأمر يختلف بين الآيات والسور، والأصل أن كل ما يتعلق بالقرآن من حيث الترتيب لا بد فيه من دليل، لأن من الصعب الاتفاق على أمر اجتهادي، ولا يمكن للاجتهاد أن يتوصل إلى معايير دقيقة للترتيب يقع عليها الإجماع، ولا بد في هذه الحالة من دليل يعتمد عليه، ويحتكم إليه.
وهناك أدلة تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر كتاب الوحي بأن يضعوا كل آية في الموطن الذي يحدده لهم، ولو كان الأمر خاضعا للاجتهاد لجاءت السور متساوية في عدد الآيات، ولما كانت هناك سور طويلة وقصيرة، وكيف يتصور وجود سورة كسورة البقرة إلى جانب سور أخرى قصيرة لا تتجاوز بضع آيات، مما يؤكد وجود أدلة واضحة ثابتة حددت مواطن الآيات والسور، بالطريقة التي جاءت في القرآن.
ويبدو أن العلماء فرقوا بين الآيات والسور من حيث الحكم، لوضوح الأمر بالنسبة لترتيب الآيات، وتعدد الروايات بالنسبة لترتيب السور.
[ترتيب الآيات:]
أجمع العلماء على أن ترتيب الآيات توقيفي، لوضوح الأدلة في ذلك، وثبت أن جبريل عليه السلام كان يرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما ينزل عليه بالوحي أن يضع كل آية في موقعها من السورة، ولا تتصور تلاوة القرآن إلا في ظل وضوح ترتيب الآيات ومراعاة هذا الترتيب أثناء الحفظ.
روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره ثم صوبه، ثم قال: «أتاني جبريل فأمرني