اهتم علماء القرآن بدراسة المكي والمدني من الآيات، لأن معرفة ذلك طريق ضروري لمعرفة الناسخ والمنسوخ من الأحكام، ولا يمكن لفقيه أن يعرف الحكم الشرعي إلا بعد أن يدرس الناسخ والمنسوخ، لكي يصل إلى الحكم النهائي الذي استقر عليه الأمر.
وبالإضافة إلى هذا فإن معرفة المكي والمدني من الآيات يقودنا برفق في مسيرة الدعوة في رحلة طويلة من بداية المرحلة المكية التي بدأت بعد البعثة إلى نهاية العصر المدني الذي توقف بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكل مرحلة زمنية خصائصها وموضوعاتها وأساليبها وانفعالاتها وأولوياتها.
ومن خصائص التشريع الإسلامي أنه نزل متدرجا، وكانت الآيات القرآنية تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم مواكبة لمسيرة المجتمع الإسلامي، محتضنة ذلك المجتمع الوليد، مصححة مسيرته، ومؤكدة سداد طريقه، خاصة إياه على الصبر والتضحية، راسمة له معالم الطريق، مشرعة أحكاما ضرورية لاستقامة أمره، ناصحة له أن يتكافل ويتعاون ويتناصر في سبيل الدفاع عن عقيدته.
وكان القرآن هو محور الحركة الاجتماعية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الرمز البشري الذي يحمل مشعل الدعوة، ويجسد قيم الإسلام بخلقه وسلوكه، وكان الوحي هو أداة التواصل بين السماء والأرض، وهو أداة انتقال الرسالة من مصدرها الإلهي إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الطبيعي أن يتوجه اهتمام العلماء والباحثين إلى معرفة المكي والمدني من الآيات، لمواكبة مسيرة الدعوة، ولرصد ذلك التدرج المحكم للتشريع، من بدء الرسالة إلى نهايتها.
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتابه «التنبيه على فضل علوم القرآن»: