استعمل القرآن كلمة الجمع بمعنى الحفظ، وأطلقت لفظة جمّاع القرآن على حفاظ القرآن، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وكان القرآن محفوظا في الصدور ولم يكن مجموعا في مصحف أو مرتبا في سور متتابعة، وعلل الخطابي عدم جمع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة.
ولفظة «حفظ القرآن» يراد بها أحد معنيين:
المعنى الأول: الجمع بمعنى الحفظ في الصدور.
المعنى الثاني: الجمع بمعنى الكتابة، سواء كانت كتابة مفرقة أو مرتبة.
وشاع استعمال لفظة جمع القرآن للدلالة على الكتابة والتدوين وترتيب الآيات والسور في مصحف واحد.
المعنى الأول: الجمع بمعنى الحفظ:
اتجهت همة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخذ القرآن يتنزل عليه إلى حفظ آياته واستظهارها خشية أن يفلت منها شيء فينساه، أداء منه صلى الله عليه وسلم للأمانة الملقاة عليه، وكان قلق النفس بسبب ذلك، حتى نزلت عليه الآية القرآنية التي دعته إلى الاطمئنان، ووعدته بأن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه، قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: ١٦ - ١٩]، وقال أيضا: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: ١١٤].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويعيد قراءته، ويقرئه لأصحابه، ويحضهم على حفظه في الصدور، وروت السيدة عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كان جبريل يعارضني القرآن في كل سنة مرة».