أجمع العلماء على أن القرآن هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في أوجه الإعجاز القرآني، وتعددت الآراء والبحوث وتكاثرت المصنفات التي درست الإعجاز في القرآن، ولكل رأيه واجتهاده ولكل رؤيته وفهمه، ومن حق كل باحث وعالم أن يدلي بدلوه، وأن يحاول إبراز ما يراه من أوجه الإعجاز ...
وإعجاز القرآن سر لا تدركه العقول، وتقف أمامه حائرة عاجزة، ترى الإعجاز وتحسه وتدركه، ولا تعرف سره وكنهه، فالقرآن من حيث ألفاظه كلام عربي محكم، يفهمه كل عربي، وليس فيه غموض أو إبهام، فكيف يقع الإعجاز في كلام اعتاد العرب سماعه ولماذا وقفوا أمامه حائرين مندهشين مستسلمين، يتحداهم، ويبالغ في التحدي، فلا يستطيعون مجاراته ولا الإتيان بمثله، ولا بعشر سور مثله، ولا بآية من آياته.
ووقف العلماء يبحثون عن سر الإعجاز وحقيقته، فإذا عجزوا عن إدراك ذلك قالوا بأن الله قد صرف العرب عن الإتيان بمثله ومبدأ الصرفة ما هو إلا تسليم العجز، وما هو بالرأي، ولذلك قال جمهور العلماء بفساد هذا الرأي، وأخذوا يبحثون عن أوجه الإعجاز في الألفاظ حينا وفي المعاني حينا آخر، وينظرون في النظم القرآني فيجدون نظما متميزا متفوقا يروقك ويؤنسك، فالألفاظ جميلة معبرة، ملائمة للمعاني، وكأنها أنزلت لكي تصور تلك المعاني أدق تصوير وأجمله.
ومن أقدم الذين كتبوا في الإعجاز في القرن الثالث الهجري أبو عثمان الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ هـ، وكان من أبرز كتاب عصره وأكثرهم شهرة، وعرض لمعجزة القرآن في إطار كتبه ومؤلفاته الكثيرة ورسائله العديدة التي تناول فيها معجزة محمد صلى الله عليه وسلم وتتمثل هذه المعجزة بالقرآن، المعجزة الخالدة، التي تحدى
بها النبي صلى الله عليه وسلم العرب، وعجز العرب عن مواجهة التحدي، والعاقل يتساءل عن أسباب عجز العرب عن مواجهة التحدي، هل لأنهم أدركوا عجزهم، فاستسلموا له لئلا ينكشف عجزهم وتقوى حجة «محمد» عليهم، وقال الجاحظ