للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به ولا بأعجب من قول آخرين، أن العجز وقع منهم، وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله، وكل هذا لا يعتد به» (١).

[ثانيا: الإعجاز بالتأليف الخاص به:]

والمراد بالتأليف الخاص بالقرآن اعتدال المفردات من حيث التركيب والوزن وسمو معانيه، بحيث يكون القرآن في أعلى درجات العلو والتفوق والتميز، ونسب هذا القول الزركشي لكمال الدين الزملكاني صاحب البرهان في إعجاز القرآن ..

وذهب ابن عطية وجمهور العلماء إلى أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، ووجه الإعجاز في هذا أن الله أحاط بكل شيء علما ولا يمكن الإتيان بمثل القرآن، وهو أمر خارج عن قدرة البشر، ولو كان بإمكان العرب أن يأتوا بمثله وهم في موطن التحدي لفعلوا ذلك، ولكنهم كانوا عاجزين وهم أعرف الناس بعجزهم ...

وذهب أبو بكر الباقلاني إلى أن وجه الإعجاز هو ما فيه من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم، ولهذا لم يتمكنوا من معارضته، وليس الإعجاز القرآني متمثلا في أصناف البديع الموجود في الشعر، فذلك ليس مما يخرق العادة، وإنما يتمثل الإعجاز في النظم المتميز للقرآن الذي ليس له مثال يحتذى، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا، ثم تساءل الباقلاني عما وقع التحدي به، أهو الحروف المنظومة أو الكلام القائم بالذات أو غيره؟ وأجاب بأن التحدي تمثل في إتيانهم بمثل حروف القرآن من حيث النظم والأحكام (٢) ..

وقال بعض الأئمة: ليس الإعجاز المتحدى به إلا في النظم لا في المفهوم، لأن المفهوم لا يمكن الإحاطة به ولا الوقوف على حقيقة المراد به ..


(١) انظر الإتقان، ج ٤، ص ٧، نقلا عن إعجاز القرآن للباقلاني ص ٤٣ - ٤٤ بتصرف.
(٢) انظر البرهان، ج ٢، ص ٩٩، نقلا عن إعجاز القرآن.

<<  <   >  >>