كان عليه الأمر في عهده صلى الله عليه وسلم من حيث وضوح الترتيب بالنسبة لمعظم القرآن، وربما وقع الاجتهاد في بعض السور التي لم يتضح فيها الترتيب، وكان لا بد من الاجتهاد في الأمر، والاجتهاد ليس في الترتيب، وإنما في ترجيح ما كان عليه الأمر في عهد النبوة، ولهذا اختلف ترتيب مصحف عثمان عن ترتيب مصحف ابن مسعود، الذي جعل سورة النساء مقدمة على سورة آل عمران، ويبدو أن اللجنة الرباعية التي أعدت مصحف عثمان رجحت تقديم سورة آل عمران على النساء، ورأت أن ذلك الترتيب هو الأرجح في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يؤكد التوقيف في كل ما يتعلق بالقرآن أن الصحابة التزموا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الاجتهاد في أي أمر يتعلق بالقرآن، والتوقف عند حدود النقل الثابت، ويؤكد هذه الحقيقة أن الصحابة لم يضيفوا البسملة إلى أول سورة «براءة» ولم يكن يحق لهم ذلك، ولم يجتهدوا في الأمر، حتى إن بعضهم ظن أن سورة براءة هي جزء من سورة الأنفال السابقة لها، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتفريق بين السورتين، ولم يضف إليها البسملة، واختلفوا في تفسير سقوط البسملة في «سورة براءة» وقال بعضهم: السبب في ذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا أرادوا نقض عهد لم يكتبوا البسملة في كتاب النقض، ونزلت براءة بنقض العهد الذي كان للكفار، ولما قرئت خلت من البسملة، إيذانا لهم بما اعتادوه في مثل هذه المواقف.
[عدد سور القرآن:]
أجمع العلماء على أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، وقيل: مائة وثلاث عشرة سورة عند من جعل الأنفال وبراءة سورة واحدة.
وطلب الحجاج بن يوسف من قراء البصرة أن يحصوا له كلمات القرآن وحروفه، فمكثوا أربعة أشهر يعدون الكلمات والحروف بالشعير، وأجمعوا على أن كلمات القرآن سبع وسبعون ألفا وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة، وحروف القرآن ثلاث مائة وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا (١).