وتعدد الأقوال في هذا الأمر لا يمكن فهمه إلا في إطار وصف المرحلة الأولى التي واكبت نزول القرآن، ولا مجال للقول بتناقض الأقوال أو تباينها، وكل راو كان ينقل ما سمعه عن وصف لبعض المراحل، مما يوثق الروايات التي تؤكد الآيات والسور الأولى التي نزلت من القرآن، ويؤكد صدق النبي صلى الله عليه وسلم في تلقيه الوحي، وعفويته في وصف حالته الأولى عند ما بدأ الوحي يتنزل عليه بالآيات الأولى من القرآن.
والروايات تنقل الواقع وتعبر عنه، وكلها صحيحة، وليس فيها تعارض أو تناقض، وهذا التعارض الظاهري يؤكد صدق الظاهرة القرآنية.
[معرفة آخر ما نزل من القرآن:]
اختلف العلماء في آخر ما نزل من القرآن، كما اختلفوا في أول ما نزل منه، واختلافهم في أول ما نزل أيسر وأوضح، لإمكان معرفة ذلك، ولأن النصوص ذاتها توضح بطريقة جلية الخطاب القرآني الأول، وجاءت الأحاديث واضحة في وصف تلك المرحلة.
بخلاف الأمر في آخر ما نزل، فلا سبيل إلى معرفة ذلك عن طريق السنة، والطريق الوحيد هو ما رواه الصحابة من سماعهم، وربما وقع الاختلاف في آخر ما نزل، لأن بعض الصحابة سمع ما لم يسمعه الآخرون، ووقع الاختلاف في آخر آية، مع اتفاقهم على أن الأمر ينحصر في بعض آيات نزلت في المرحلة الأخيرة التي أعقبت حجة الوداع.
وأرجح الروايات الواردة في ذلك ما أخرجه ابن حاتم عن سعيد بن جبير قال: آخر ما نزل من القرآن كله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:
٢٨٢]، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال، وأخرج ابن جرير مثل هذه الرواية عن ابن جريج ..
وأخرج أبو عبيد في الفضائل عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين، وقال السيوطي في الإتقان: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ولأنها قصة