ابتدأت العلوم الإسلامية بالقرآن، فالقرآن هو مصدر العلوم، وهو المنطلق الأول لنشأة العلوم الإسلامية التي تركزت حول دراسة القرآن وتوثيقه وحفظه وتفسيره وبيان إعجازه ومعرفة الناسخ والمنسوخ منه، والمحكم والمتشابه والأحرف السبعة، والقراءات الثابتة الصحيحة ووجوه بلاغته وفصاحته، ودراسة مفرداته ومعانيه.
ولم تكن هناك علوم مدونة بالمفهوم العلمي الذي عرف فيما بعد، فقد كانت اللغة تعتمد على السليقة العربية السليمة، فما استعمله العرب في كلامهم المنثور والمنظوم فهو حجة، وكان الأمر ميسرا، ولم يكن التدوين منتشرا إلا في نطاق ضيق، وكانت الأمية سائدة، ولم تتجه اهتمامات العرب في الجاهلية إلى التوسع في مجال العلوم، واقتصرت اهتماماتهم على لغة العرب التي كان شعراء الجاهلية يتفاخرون بإجادتها والتعبير عنها وبيان فصيحها.
ولما نزل القرآن كان معجزة النبي صلّى الله عليه وسلم، وتحدى الله العرب به، وعجز العرب عن الإتيان بمثله، بل عجزوا عن الإتيان بآية من آياته، ووقفوا مذهولين حائرين، يدرسون الظاهرة القرآنية في إطارها العام، ولا يجدون جوابا شافيا لتساؤلاتهم سوى التسليم بعظمة القرآن، وبأنه كلام الله.
وتوجهت الأنظار إلى هذا القرآن، باحثة عن معانيه، دارسة أسلوبه، مستخرجة منه قوانين اللغة، مدونة تاريخه، نزولا وكتابة وحفظا وجمعا، مسجلة أوجه قراءاته، محددة ما يجوز منها وما لا يجوز، معتمدة في ذلك على ضوابط ومعايير علمية موضوعية.
ما أعظم تلك البداية.
كتاب الله هو المنطلق .. ومواكب العلماء تلتف حول نصه، باحثة عن معانيه، مدونة تاريخه، مفسرة مفرداته اللغوية، مبينة أوجه الفصاحة والبلاغة فيه،