ومع هذا فإننا نورد أقوال العلماء في وجوه الإعجاز، كما أوردها الزركشي في البرهان وهي (١):
[أولا: الإعجاز بالصرفة:]
ومعنى الإعجاز بالصرفة أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته فلم يقدروا على ذلك، ولولا الصرفة لما أعجزهم القرآن، ولما أعجزهم أن يأتوا بمثله، وهذا القول منسوب إلى ابن إسحاق إبراهيم بن سيار النظام، وهو زعيم الفرقة النظامية، وأحد أبرز رجال الفكر الاعتزالي، وكان شيخا للجاحظ، وتوفي في خلافة المعتصم.
وهذا الرأي واضح البطلان، فاسد المعنى، لأنه يجعل الإعجاز خارجا عن نطاق القرآن ذاته، متعلقا بأمر خارجي يتمثل في حفظ القرآن عن طريق صرف العرب عن الإتيان بمثله، لا لأنهم لا يقدرون على ذلك، ولكن لأن الله أراد ذلك، وبمقتضى هذا الرأي فإن القدرة على الإتيان بمثل القرآن أمر ممكن من الناحية الواقعية ولكن الله صرف العرب عن ذلك، وهذا الرأي مخالف لظاهر الآية القرآنية في قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً.
والواضح من الآية أن الإعجاز ثابت ولو اجتمع الإنس والجن وتعاونوا على ذلك، لأن الإعجاز كامن في القرآن نفسه، ولا يتوقف الإعجاز في أي عصر، ومبدأ الإعجاز بالصرفة هو إلغاء للإعجاز، وإلغاء للخصوصية القرآنية، واعتبار الإعجاز أمرا خارجيا ..
ونقل السيوطي عن أبي بكر الباقلاني في كتابه الإعجاز:
«وما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة، وإنما منع منها الصرفة، لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون المنع معجزا فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، وقال أيضا: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم