يعتبرها من الإعجاز ما لم تتحقق الشروط الموضوعية المتمثلة في جزالة اللفظ وحسن المعنى، فالصورة البديعية ليست كافية وحدها لإثبات الإعجاز ما لم تكن معبرة عن المعايير الموضوعية للفصاحة.
[الإعجاز عند عبد القاهر الجرجاني:]
يتميز الجرجاني (١) عن كل من القاضي عبد الجبار وأبي بكر الباقلاني باعتماده على الذوق البياني والفطرة النقية الصافية التي مكنته من استكشاف آفاق جديدة من معاني الإعجاز لم يدركها من كتبوا في الإعجاز في إطار مقاييسهم المنطقية ومعاييرهم الكلامية ونظرتهم الفلسفية، فالإعجاز يدرك بالعقل من خلال مقاييسه الثابتة ويدرك بالفطرة والذوق من خلال اكتشاف آفاق جمالية في النص القرآني.
واعتبر «الملاءمة بين الألفاظ»، هي أساس الفضيلة في البيان العربي، فاللفظة لا تستمد مكانتها من ذاتها، ولو كانت كذلك لتساوى الكتاب والأدباء في مكانتهم، ولكن
يقع التفاضل بين هؤلاء بحسب قدرتهم على إيجاد التلاؤم بين اللفظة واللفظة التي تليها، فالكلمة الواحدة قد تكون حسنة في موضع ومستقبحة في موضع آخر، مقبولة في عبارة ومرفوضة في عبارة أخرى، وفرق الجرجاني بين حروف منظومة وكلم منظومة، فنظم الحروف تواليها في النطق ونظم الكلم مراعاة المعاني في النظم وترتيبها بطريقة ملائمة ومعبرة، كالنسج والتأليف والصياغة والبناء والوشي والتحبير، بحيث يكون الوضع والترتيب خاضعا لمعايير وأقيسة ومرجحات بحيث لو تم استبدال هذا الترتيب بغيره لما صح النظم ولما استقام أمره.
وقال في شرح ذلك:
فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة
(١) هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة ٤٧١ هـ.