للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر (١).

وقال بعد ذلك:

والفائدة في معرفة هذا الفرق أنك إذا عرفته عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق، بل أن تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل وكيف يتصور أن يقصد به إلى توالي الألفاظ في النطق بعد أن ثبت أنه نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وأنه نظير الصياغة والتحبير والتفويف والنقش وكل ما يقصد به التصوير (٢).

وأكد هذا المعنى بقوله:

«واعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علما لا يعترضه الشك أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك، هذا ما لا يجهله عاقل ولا يخفى على أحد من الناس» (٣).

ثم ختم عبارته بقوله:

«وإذا كان لا يكون في الكلم نظم ولا ترتيب إلا بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه، وكان ذلك كله مما لا يرجع منه إلى اللفظ شيء ومما لا يتصور أن يكون فيه ومن صفته بان بذلك أن الأمر على ما قلناه من أن اللفظ تبع للمعنى في النظم، وأن الكلم تترتب في النطق بسبب ترتيب معانيها في النفس، وأنها لو خلت من معانيها حتى تتجرد أصواتا وأصداء حروف لما وقع في ضمير ولا هجس في خاطر أن يجب فيها ترتيب ونظم، وأن يجعل لها أمكنة ومنازل، وأن يجب النطق بهذه قبل النطق بتلك» (٤).


(١) انظر دلائل الإعجاز للجرجاني، ص ٤١، طبعة مطبعة السعادة بمصر.
(٢) انظر دلائل الإعجاز ص ٤٣.
(٣) انظر دلائل الإعجاز ص ٤٦.
(٤) انظر دلائل الإعجاز، ص ٤٧.

<<  <   >  >>