ويعنف عند ما يتطلب الأمر ذلك، ويلين ويسهل عند ما تتطلب الحكمة ذلك، لا فرق في ذلك بين مكي ومدني، لأن القرآن كلام الله وهو معجز في حكمته، ومن الإعجاز أن يكون الخطاب مؤديا غايته ومحققا مقاصده.
وما اكتشف المفسرون حتى اليوم من إعجاز القرآن لا يتجاوز المقدار القليل، والإعجاز مستمر ومتواصل، والخطاب القرآني متجدد لا يتوقف، وكل جيل مخاطب بالقرآن، ومكلف بأن يكتشف الجديد من إعجازه وأحكامه ومقاصده وغاياته، فإذا كان هناك قصور في الفهم فهذا دليل على عجز الإنسان وجمود فكره وتخلف إدراكاته، ومسيرة البشرية متواصلة، وعطاء القرآن لن يتوقف أبدا.
[معرفة أول ما نزل من القرآن:]
اختلف العلماء في أول ما نزل من القرآن، وسبب الاختلاف في هذا الأمر بالرغم من شهرة بعض الروايات ورجحانها أن الأمور التي تتعلق بالنقل والرواية يختلف الرأي فيها باختلاف الرواية، وتتعدد الأقوال بتعدد ما ثبت من الروايات، ولا يملك الباحث في موطن الروايات المنقولة إلا أن يقف موقف الحياد، سامعا للرواية، ناقدا لسندها، مفسرا لمتنها مرجحا بالحجة والبيان ما يراه أقوى وأرسخ.
والخلاف في معرفة أول ما نزل وفي معرفة آخر ما نزل يدلنا دلالة أكيدة على أمرين:
الأمر الأول: اهتمام علماء القرآن بكل ما يتعلق بالقرآن من حيث النزول وتاريخ النزول وأسبابه، وهذا الاهتمام عمق الثقة بجدية الدراسات القرآنية، وجعلها في موطن اليقين، لكيلا يتطرق الشك إلى قطعية الثبوت فيما يتعلق بالنص القرآني.
الأمر الثاني: أمانة العلماء في تسجيل ما ثبت لديهم من روايات منقولة، تاركين للباحثين المختصين أمر توثيق تلك الروايات والنظر في أسانيدها، في ضوء مقارنتها مع الروايات المنقولة الأخرى المتعارضة منها، مما يجعل أمر